الجزء الأول
تأليف الشيخ أسامة السيد
دار المشاريع للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة الثانية
مزيدة ومنقحة
1419هـ- 1999ر
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمين، وعلى إخوانه النبيين والمرسلين، وعلى ءاله الطيبين وأصحابه الطاهرين، وعلى من سار على هداهم وترسم خطاهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد.
فإن الله تعالى يقول في القرءان الكريم: {كُنتم خيرَ أمةٍ أُخرِجت للناسِ تأمُرون بالمعروفِ وتنهَونَ عنِ المنكر} [سورة ءال عمران/110].
ويقول عليه الصلاة والسلام: “من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان” رواه مسلم.
وقد امتدح الله أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر كما أسلفنا في الآية المباركة، وكذلك فإن الله ذم الذين كفروا من بني إسرائيل بقوله: {كانوا لا يَتَناهون عن منكرٍ فعلُوهُ لبِئْسَ ما كانوا يفعلون} [سورة المائدة/79].
وإن من أعظم ما ابتليت به هذه الأمة أناس دعاة على أبواب جهنم، اندلقت ألسنتهم بالباطل واندلعت أصواتهم بالضلال، يرجون السلع الرديئة بحجج واهية فاسدة.
وما كلامنا عن هؤلاء وأمثالهم إلا من باب البيان الواجب تبيانه للعامة والخاصة، ولا يظن ظان أن هذا من باب الغيبة المحرمة فمن المعروف في تاريخنا أن السلف الصالح كانوا لا يسكتون على الباطل بل كانت ألسنتهم وأقلامهم سيوفًا حدادًا على أهل البدع والأهواء.
فقد أخرج مسلم في صحيحه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال للخطيب الذي قال: من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى: “بئس الخطيب أنت” وذلك لأنه جمع بين الله والرسول بضمير واحد فقال له قل: “ومن يعص الله ورسوله”.
فإذا كان الرسول لم يسكت على هذا الأمر الخفيف الذي ليس كفرًا ولا إشراكًا فكيف بالذين ينشرون الكفر والضلال باسم الإسلام من على المنابر وأجهزة الإعلام بمختلف أنواعها.
وها نحن اليوم أمام نموذج من هذه النماذج، أعني بهذا النموذج –الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي-. من هنا لا بد لنا أن نضعه في الميزان ليراه الناس على صورته الحقيقية.
ونقول للذين يحاولون استباق النتائج إن الرد على البوطي لم يأت عن هوى، ولم يكن وليد حالة عصبية عابرة بل جاء بعد عدة لقاءات ومحاورات ومكاتبات حاولنا نصحه وثنيه عن مخاطر لج فيها مما نتج عن ذلك الشر الخطير والشرر المستطير.
ونقول للمشايخ العقلاء أن يتدبروا ردنا عليه، وبدلاً من أن ينبري البعض للدفاع عنه فالأجدى والأجدر أن ينبروا للدفاع عن دين الله وعن كرامة الناس التي أهدرها البوطي بفتاويه.
ونحن قد عزونا كل مقالة إلى مصدرها في كتاب أو كجلة أو مراسلة، والحقيقة أننا وجدنا في كتبه مئات المخالفات ولكننا اقتصرنا على نماذج منها ليطلع الناس على حقيقة ما تنطوي عليه نفسه ءاملين أن لا يتسرع متسرع بالتشنيع قبل أن يطلع على المضمون، وليعلم أن العصمة الكاملة لأنبياء الله وملائكته فقط. وقد اعتمدت في مصادري بشكل أساس في بعض الأبحاث بكليتها على بعض مؤلفات العلامة المحدث الشيخ عبد الله الهرري لما فيها من التدقيق والتوثيق.
وهذا وسيرى القارئ المنصف أن البوطي رجل مجسم، معتزلي، إباحي، متقلب، إلخ….
الباعث على نشر هذا الكتاب
في ربيع عام 95ر أرسلني شيخنا المحدث الشيخ عبد الله الهرري إلى البوطي في مسائل بلغته عنه ومنها مسئلة خطيرة وهي قوله: “إذا تصادم القرءان مع العلم فأنا مع العلم”، وبالفعل كلمتُهُ في هذا الموضوع فراح يؤول كلامه تأويلات واهية لنصرة هواه مخالفًا دين الله تعالى حيث خاف الدكتور أن يقول أنا مع القرءان إذا تصادم مع العلم كل ذلك لئلا تهتز هذه المرجعية القائمة على كومة من الأوهام، لكنه لم يتراجع، ولم نيأس بل استمررنا أملاً بالإصلاح، وبتاريخ 3/6/95ر زارنا البوطي في بيروت والتقينا به زهاء ساعتين تقريبًا واتفقنا على أن نكتب ميثاقًا مشتركًا يحتوي على مسائل تنسب إلينا بهتانًا ونرد عليها، ومسائل تنسب لغيرنا ويرد عليها أيضًا، وقام هو بصياغة مسودة البيان الأولية وأرسلها إلينا فوجدنا فيها بعض المغالطات فأصلحنا ما فيها وأرسلناها مع زياداتٍ لائقة، فرد برسالة عاصفة بالهجوم على ما أصلحنا له من الأخطاء وانقطع الحوار.
وفي الشهر السابع من هذا العام 98ر وصلنا شريط بصوته يتهجم على جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية وعلى الشيخ عبد الله الهرري بأقذع الألفاظ الذي لا تنم عن أدب مع أهل العلم، وكأنه لم يتذكر ولم يمر بخاطره كيف كان والده يحترم الشيخ عبد الله ويبجله، ويعلي من مكانته ويثني عليه.
فلما بدا شره للعيان، وظهر عدم قبوله للحق ظهور الشمس في رابعة النهار، عمدنا إلى كتابه هذا المؤلف الذي كشفنا به عن بعض ما في كتبه التي حشاها بالآراء الشاذة التي تخالف شرع الله تعالى.
وليكن رائدنا في هذا البحث قول سيدنا علي رضي الله عنه: “لا يُعرَفُ الحقُّ بالرجال ولكن يُعرفُ الرجالُ بالحق”.
وأخيرًا: ذكر لنا غير واحد من مشايخ الشام أن الشيخ العالم اللغوي نايف العباس الدمشقي رحمه الله لما ظهر كتاب كبرى اليقينيات للبوطي قال له ناصحًا أن يزيل قوله عن الله تعالى “العلة”، وقوله “إن كل ما تراه عيناك من حقائق هذا الكون كلها إنما هي فيض عن حقيقة واحدة كبرى ألا وهي ذات الله”، فانتفض البوطي رادًا للنصيحة وخرج من المجلس فقال الشيخ نايف:
عناءٌ كبير أن تناقش جاهلاً *** فيزعم بغيًا أنه منك أعلم
نصيحة مهمة جدًا
عملاً بالواجب الشرعي وحفظًا للناس من الوقوع في الضلال نحذر من قراءة واقتناء كتب البوطي طالما أنها محشوة بهذه الأفكار الشنيعة والمريعة من تطرف وتعقيد وخلاعة ونسبة التجسيم والحلول لله، ومخالفة الإجماع في عشرات المسائل، وموافقته للوهابية وامتداحه لقرني التطرف والإجرام ابن تيمية وسيد قطب، وذمه لبعض أهل الفضل من العلماء العاملين، ومخالفته لصريح الكتاب والسنة، ولتناقضه في كثير من المواضع فاحذروا أفكاره الفاسدة وبضاعته الكاسدة لما فيها من شر خطير وشرر مستطير.
وبعد هذه الافتراءات المليئة بالافتئاتات والافتراءات سمعنا ذمًا وقدحًا لهذا الرجل من عشرات المشايخ والعلماء والمفاتي في سوريا وقد حصلنا على فتاوى مكتوبة منهم حذروا من أباطيله وأفاعيله نبرزها لمن أراد، وقد أجمعوا على أنه متكبر متعجرف لا يقبل الحق ولا يرعوي للشرع، هذا وقد رد عليه مرارًا بعض مشايخ سوريا على المنابر وكتابة.
وشأن البوطي كما قال بعض مشاهير مشايخ سوريا ما نصه: “البوطي لو تاب وأناب لما احتجنا لمثل هذا الكتاب لكنه معاند فاستحق الرد” اهـ، وقد قمنا بإعادة طبع هذا الكتاب طبعة منقحة ومزيدة وذلك بعد الإقبال عليه من أهل العلم وأئمة المساجد وطلبة العلم خاصة في سوريا، حتى إنه قد نفدت النسخ بسرعة كبيرة مما دفعنا إلى إعادة طبعه ثانية.
وأخيرًا فالحق أحق أن يتبع.
البوطي
يدعي أن شهادة اثنين من العدول
لا تقوم أمام القضاء لإثبات الردة على شخص
في إحدى المراسلات التي جرت بيننا وبينه كتب البوطي بخط يده: “راجعنا فلم نجد من قال إن شهادة اثنين بكفر فلان من الناس يقوم في القضاء مقام سماع موجب الكفر منه مباشرة، ومن ثم تكفي تلك الشهادة للحكم عليه بالردة وملاحقته بتنفيذ الحكم الذي تستوجبه الردة… نعم إن شهادة واحد أو اثنين أمام القضاء تستوجب التحري والتحقيق المباشر، فمن هم الذين قالوا إن للقاضي أن يحكم بردة فلان من الناس اعتمادًا على شهادة رجلين دون استدعائه والسماع منه” اهـ.
الرد: نأمل منك يا دكتور ألا تظن لحظة أنك إن لم تكن على اطلاع على مسئلة أنها لا توجد أو أنه لا أثر لها مثل ما قلت، وإليك النصوص إن كنت لا تعلم لتعلم الآن لئلا تعود إلى مثل ما قلت:
قال صاحب الشرح الكبير الدردير ما نصه [1]: “تثبت الردة أمام القضاء بشهادة رجلين مسلمين عدلين، وبهذا قال الحنابلة ومالك والأوزاعي والشافعي والحنفية، وقال ابن المنذر: ولا نعلم أحدًا خالف في هذا إلا الحسن، قال لا يقبل في إثبات الردة إلا أربعة شهود قياسًا على الزنى، ولكن يرد على الحسن أن الشهادة على الردة شهادة في غير الزنى فتقبل من عدلين كالشهادة على السرقة” اهـ.
فإذا كنت لا تعلم يا دكتور مسئلة قال بها الجمهور فهذه مشكلتك وليس مشكلة العلم والعلماء فاحذر.
الهامش:
[1] أنظر الكتاب [2/304].
