ثامنًا: الكتاب المسمّى الأربعين في دلائل التوحيد لأبي إسماعيل عبد الله بن محمد الهروي
هو الهروي نفسه الذي تقدم ذكره في الكلام على كتاب السنة المنسوب كذبًا إلى الإمام أحمد، وقد كانت المجسمة بهراة تلقبه شيخ الإسلام نكاية بمن سمى بذلك الحافظ أبا عثمان الصابونيّ، قال ابن السبكيّ([1]): «وأما المجسّمة بمدينة هراة فلما ثارت نفوسهم من هذا اللقب عمدوا إلى أبي إسماعيل عبد الله الأنصاريّ صاحب كتاب ذم الكلام فلقبوه بشيخ الإسلام! وكان الأنصاريّ المشار إليه رجلًا كثير العبادة – على فساد في العقيدة – محدّثًا إلا أنه يُظْهِرُ التجسيم والتشبيه، وينال من أهل السّنة، وقد بالغ في كتابه ذمّ الكلام حتى ذكر أن ذبائح الأشعرية لا تحلّ! وكان أهل هراة في عصره فئتين: فئة تعتقده وتبالغ فيه لما عنده من التقشف والتعبد، وفئة تكفّره لما يظهره من التشبيه.
ومن مصنفاته التي صوّبت نحوه سهام أهل الإسلام الكتاب المسمّى «ذمّ الكلام»، والكتاب المسمى «الفاروق في الصفات»، وكتاب «الأربعين»، وهذه الكتب الثلاثة أبان فيها عن اعتقاد التشبيه وأفصح، وكان شديد التعصب للمجسّمة المشبهة من الحنابلة الذين شذّوا عن المنهج الحنبليّ السليم المنزّه، بحيث كان ينشد على المنبر على ما حكى عنه تلميذه محمد بن طاهر([2]): [الكامل]
| أنا حنبليٌّ ما حييتُ وإن أَمُتْ | فوصيتي للناسِ أن يَتَحَنبلُوا |
وترك الرواية عن شيخه القاضي أبي بكر الحيريّ لكونه أشعريًّا، وكل هذا تعصب زائد برَّأنا الله من الأهواء» اهـ.
وفي كتابه المسمى الأربعين قال: «إن محمدًا ﷺ رأى ربه في صورة شابّ أمرد([3]) في قدميه خضرة!»، وفيه باب بعنوان: «وضع الله عزّ وجلّ قدمه على الكرسيّ»، وباب في «إثبات الجهات لله عزَّ وجلَّ»، وباب في «إثبات الحد لله عزَّ وجلّ»، وباب في «إثبات الخط لله عزَّ وجلّ»، وباب في الهرولة لله عزَّ وجلّ، ومن عناوينها يتبيّن ما تحتها من الأخبار الواهية التي لا يركن إليها في الاعتقاد بالله عزّ وجلّ.
[1] ) طبقات الشافعية الكبرى، السبكيّ، 4/ 272، 273.
[2] ) محمد بن طاهر بن عليّ بن أحمد المقدسيّ الشيبانيّ، ت 507هـ، أبو الفضل، رحالة مؤرخ، من حفاظ الحديث. مولده ببيت المقدس ووفاته ببغداد. له كتب كثيرة، منها: «تاريخ أهل الشام ومعرفة الأئمة منهم والأعلام»، و«تذكرة الموضوعات»، و«أطراف الكتب الستة»، و«إيضاح الإشكال في من أبهم اسمه من النساء والرجال» و«صفوة التصوف». الأعلام، الزركلي، 6/171.
[3] ) «الأَمْرَدُ: الشَّابُّ طَرَّ شارِبُهُ ولم تَنْبُتْ لِحْيَتُهُ. مَرِدَ كفَرِحَ مَرَدًا ومُرُودَةً وتَمَرَّدَ: بَقِي زمانًا ثم الْتَحَى» اهـ. القاموس المحيط، الفيروزأبادي، مادة م ر د، ص 407.
