المسجد الأقصى
1- تعريف المسجد الأقصى و بيان حدوده
المسجد الأقصى باتفاق العلماء والمؤرخين اسم لجميع ما دار عليه السور وفيه الأبواب والساحات الواسعة، والمصلى الجامع وقبة الصخرة والمصلى المرواني والأروقة والقباب والمصاطب وأسبلة الماء وغيرها من المعالم، وعلى أسواره مآذن.
قال مجير الدين الحنبلي المتوفى سنة 928 هـجري في “الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل” ما نصه: “إن المتعارف عند الناس أن الأقصى من جهة القبلة، الجامع المبني في صدر المسجد الذي فيه المنبر والمحراب الكبير، وحقيقية الحال أن الأقصى اسم لجميع المسجد مما دار عليه السور”. انتهى
وقال: ” فإن هذا البناء الموجود في صدر المسجد وغيره، من قبة الصخرة والأروقة وغيرها محدثة، والمراد بالأقصى ما دار عليه السور”. انتهى
وقال أبو اسحاق إبراهيم بن محمد الفارسي الاصطخري، المعروف بالكرخي المتوفى سنة 356 هجري في المسالك والممالك نقلا عن شراب: “وبيت المقـدس مسـجد ليـس فـي الإسـلام مسـجد أكبـر منـه. وله بناء في قِبْلِيّه مسَّقف”. انتهى
وقال: “والباقي من المسجد خال، لا بناء فيه، إلا موضع الصخرة”. انتهى
و المسجد الأقصى قد بناه ءادم عليه السلام، بنى الكعبة ثم بعد أربعين سنة بنى المسجد الأقصى، وسماه الله مسجدًا مما يدل على أنه كان عُمل كسائر أماكن عبادة المسلمين لعبادة الله الواحد بالصلاة التي يسجد فيها المسلم لله. وعليه فلا يصح القول بأن المسجد الأقصى كان كنيسة أو أنه بني على أنقاض هيكل يهودي.
2- أسماء المسجد الأقصى
للمسجد الأقصى عدة أسماء، أهمّها ثلاثة:
*- المسجد الأقصى: وكلمة “الأقصى” تعني الأبعد، وسُمِّيَ الأقصَى لبعد ما بينه وبين المسجد الحرام، وكان أبعد مسجد عن أهل مكة في الأرض يعظَّم بالزيارة.
قال تعالى: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ” -سورة الإسراء، الآية: 1-
وقوله تعالى “بَارَكْنَا حَوْلَهُ” معناه أنّ أرض الشام أرض مباركة.
* البيت المُقَدَّس: وكلمة “المقدّس” تعني المبارك والمطهّر، وقد ذكر علماءُ المسلمين وشعراؤهم هذا الاسم كثيرًا، كما قال الإمام ابن حجر العسقلاني:
إلى البيت المقدّس قد أتينا حِنان الخُلد نُزُلاً من كريم
* بيت المَقْدِس: هذا الاسم هو المستَخدَم في معظم أحاديث النبي محمد صلى الله عليه و سلم، مثل ما قاله في معرض كلامه عن الإسراء والمعراج: «ثم دخلت أنا وجبريل عليه السلام بيت المقدس فصلى كل واحد منا ركعتين”. انتهى
و قال صلى الله عليه وسلم : “لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي، فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربة ما كربت مثله قط، قال: فرفعه الله لي أنظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به” رواه الشيخان.
3- عِمارة المسجد الأقصى
– حينما فتح أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بيت المقدس – سنة 15هـجري قام ببناء المصلى في ساحات المسجد الأقصى. وقد اتفق جمهور المؤرخين على أن عُمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أقام مسجدًا متواضعًا وصغيرًا ومُحاذيًا لسور المسجد الأقصى من جهة القبلة، وهو مبنى متواضع أنشأه من عروق خشبية ضخمة ويتسع لثلاثة آلاف مُصلي في وقت واحد. وحدد عُمر مكان المُصلى ليكون في صدر المسجد.
– في العهد الأموي: أمرعبد الملك بن مروان ببناء مصلى قبة الصخرة -وهو أحد أجزاء المسجد الأقصى – فبدأ العمل في بنائه سنة 66هـجري/ 685 ميلادي، وتم الفراغ منها سنة 72هـجري/ 691ميلادي. وقد أشرف على عملية البناء المهندسان العربيان أبو المقدام رجاء بن حيوة من بيسان فلسطين -وهو احد العلماء الاتقياء و من جلساء عمر بن عبد العزيز- ، ويزيد بن سلام مولى عبد الملك بن مروان وهو من القدس، كما ذكر ذلك القاضي مجير الدين الحنبلي في كتابه الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل، في الصحيفة 272.
وجميع الدراسات والاختبارات الأثرية الكثيرة التي أجراها علماء مختصون على البناء خلال عمليات الصيانة والترميم على مدى الأزمان، أثبتت بما لا يدع مجالًا لأي شك، أن قبة الصخرة، بكامل أساساتها وجدرانها الخارجية، هي من إنشاء عبد الملك بن مروان.
كما أثبت علماء الآثار من اليهود و النصارى و غيرهم من الذين نقّبوا واشتغلوا بالحفريات والأنفاق تحت المسجد الأقصى أنه لا يوجد أثر واحد لهيكل سليمان؛ لا تحت المسجد الأقصى، ولا تحت قبة الصخرة، مما دفع بعضهم إلى أن يقول: إن الهيكل قصة خرافية ليس لها وجود.
قال شلومو ساند Shlomo Sand بروفسور التاريخ اليهودي في كتابه “اختراع الشعب اليهودي” صحيفة 161 ما نصه: ” الحفريات الأثرية التي جرت في القدس في سبعينيات القرن العشرين كانت مربكة للخيال الماضوي الفخور. صحيح أنه لم يكن ممكناً القيام بحفريات تحت باحة المسجد الأقصى؛ ولكنه لم يتم العثور في سائر المواقع المدشنة حوله على بقايا أو آثار تشير إلى وجود مملكة مهمة في القرن العاشر قبل الميلاد، وهو العصر المقدر لعهد داوود وسليمان. فلم يكشف أي شاهد على بناء عظيم، ولم يكن هناك أسوار أو قصور فخمة، وحتى الأواني الخزفية التي اكتشفت كانت قليلة وبسيطة بشكل لافت جدّاً”. انتهى
كما تم في عهد عبد الملك بناء المُصَلَّى الجامع: وهو ذلك الجامع المبني في صدر المسجد الذي بُني به المنبر والمحراب الكبير ، والذي تُقام فيه الصلوات الخمس والجمعة ، وهو داخل أسوار المسجد الأقصى. وقد تم الانتهاء من الأشغال في عهد الوليد بن عبد الملك
– في العهد العباسي: في سنة 216 هـجري /831 ميلادي ، زار الخليفة العباسي المأمون بيت المقدس، وكان قد أصاب قبة الصخرة شيء من الخراب بسبب الزلازل، فأمر بترميمه وإصلاحه، مما حمل المأمون على ضرب فلس يحمل اسم القدس لأول مرة في تاريخ مدينة القدس وذلك في سنة 217 هـ كذكرى لإنجاز ترميماته تلك.
و يظهر في قبة الصخرة أشرطة كتابية لآيات قرآنية كريمة من الفسيفساء وكتابة تحمل تاريخ التجديد الذي تم عمله زمن الخليفة المأمون العباسي و يظهر التزوير في النص الكتابي، فقد قام بعض عمال المأمون بنزع قراميد صفراء ووضعوا بدلاً منها قراميد زرقاء تحمل اسم المأمون مكان اسم عبد الملك بن مروان ولم يغيروا تاريخ البناء في عام 72هـ الذي بقي شاهداً على هذا التغيير في اسم مشيد البناء الأصلي، وقد وضع عمال المأمون تاريخ تجديدهم عام 216هـ في موضع آخر نظراً لضيق المساحة التي تحمل تاريخ سنة 72هـ.
وقد أكد كل من كارل هينز أوهليغ karl heinz Ohlig و جيرد بوين Gerd Puin في كتابها المسمى
The Hidden Origins of Islam, p 99
أن إسم “عبد الله المأمون” مُقحَم على النّقش فقال ما نصه:
Al Mamun sealed this legacy of proclamation in pure arabic language. Following old Oriental tradition, he oblitereted the Mention of Abd al Malik’s name. In the Midst of Abd al Malik’s Protocol “Abd ALLAH, Abd….Amir al muminin , al mamun put his owne title and name ” Abd ALLAH al imam al mamun. With this action he insured the validity of the Ekthesis as he understood it. The dating to the year 72 was preserved
الترجمة:
ختم المأمون هذا النقش باللغة العربية البحتة، باتباع التقليد الشرقي القديم ، طمس ذكر اسم عبد الملك. في وسط نقش “عبد الملك عبد الله، عبد….أمير المؤمنين”، وضع المأمون لقبه واسمه “عبد الله الإمام المأمون”. انتهى


