دفع شبهة أن المسجد الأقصى كان مزبلة في حادثة الاسراء

دفع شبهة أن المسجد الأقصى كان مزبلة في حادثة الاسراء

قال تعالى: “الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ” -الروم: 1 ـ 7-

هذه الٱيات من سورة الروم لها ارتباط وثيق بحادثة الاسراء و المعراج التي حصلت للنبي محمد صلى الله عليه وسلم يقظة بروحه و جسده، فقد شاء الله أن تغلب الامبراطورية الساسانية المتحالفة مع اليهود القوات البيزنطية التي كانت قد سيطرت على بيت المقدس وقامت بتدنيسه وتحويل مكان الصخرة لمزبلة ترمى فوقها القمامة. وبعد دخول الساسانيين لبيت المقدس استعاد اليهود السيطرة عليه وقاموا بتنظيفه وترميم بعض أجزاءه في محاولة منهم لبناء الهيكل الثالث المزعوم.

فالحكمة من تدبير هذا النصر من الله عز وجل هو تخليص ذلك المكان المقدس مؤقتا من التدنيس الصليبي ، وتهيئة الظروف للنبي صلى الله عليه وسلم للاسراء إليه والصلاة بالأنبياء فيه، ومن ثمَّ العروج من فوق الصخرة للسماوات العلى.

وبعد بضع سنين أعاد البيزنطيون السيطرة على بيت المقدس وقاموا باعادة تدنيس المسجد نكاية باليهود حتى اعادة فتحه و تحريره من طرف المسلمين زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

ولمزيد التفصيل حول تلك الأحداث، ينبغي الرجوع إلى السياق التاريخي المتعلق ببيت المقدس الذي تعرَّض للتخريب على يد نبوخذنصر بعد 300 سنة من بنائه.

وفي العام 539 ق.م احتل الملك الفارسي قورش مدينة بابل، حيث أعاد اليهود الذين سباهم نبوخذ نصر إلى مدينة القدس. فقاموا ببناءها مرة أخرى، في عهد الملك داريوس، حوالي عام 515 ق.م.

وفي عام 70 رومية – بعد محاولة صلب عيسى عليه السلام بزمان- وفي ما يعرف بالثورة اليهودية، حاصر القائد تيطس/ تيطوس الروماني مدينة القدس، ثم سقطت في يد جيشه ليستبيح بيوتها ويدمّر جميع معالمها بما في ذلك المسجد الأقصى.

قال المؤرخ الفلسطيني المطهر بن طاهر المقدسي المتوفى سنة 966 رومية، في “البدء والتاريخ” في معرض كلامه عن بيت المقدس : “ثم بنى بعده داود وأتمه سليمان وخربه نصر [نبوخذ نصر] فأوحى الله عز وجل إلى كوشك [قورش] ملك من ملوك فارس فعمرها ثم خربها ططس [تيتوس] الرومي الملعون”. انتهى

وفي سنة 139 رومية، أمر الإمبراطور الروماني هادريان بحرث المدينة لنزع الصبغة اليهودية عنها، وإقامة مدينة رومانية جديدة على أنقاضها، سميت في ذلك الحين باسم “إيليا كابيتولينا”، يحرم على اليهود دخولها، لكنه جعل المسجد الأقصى خارج حدود مدينته.

وفي سنة 313 رومية اعتنق الامبراطور قسطنطين النصرانية، وتنصرت أمه هيلانة الحرانية البندقانية أيضا. فقامت باستخراج الخَشبة التي صُلِبَ عليها المسيح بزعمها من وسط القمامة، وبنت مكان القمامة كنيسة القيامة – التي اشتهرت باسم كنيسة القمامة- معتقدة أنها بنتها على قبر النبي عيسى عليه السلام. كما أمرت في المقابل بتخريب ما وجد من عمارة البيت وطرح الزِّبل والقمامات على الصخرة .

قال ابن كثير في البداية والنهاية: “وقد اتخذها النصارى مزبلة كما فعلت اليهود بمكان القمامة، وهو المكان الذي صلب فيه المصلوب الذي شبه بعيسى، فاعتقدت النصارى واليهود أنه المسيح. وقد كذبوا في اعتقادهم هذا كما نص الله تعالى على خطئهم في ذلك”. انتهى

وقال المؤرخ الحسن بن أحمد المهلبي المتوفى سنة 990 رومية في “المسالك والممالك”، ما نصه: “ولما بنت هلانة أم قسطنطين الملك كنيسة قمامة وغيرها من الكنائس أمرت بتقصي هدم البيت، وجعلت موضع الصخرة حشوش البلد ومزابله فدَثُر [رُدِم]. انتهى

والغرض من صنيعها اتخاذ مكان قبلة اليهود مزبلة أيضا في مقابلة ما صنعوا في قديم الزمان وحديثه.

وتُعَدّ الصخرة في التراث اليهودي من أهم المعالم المقدسة. ويعتقد اليهود أنها “إيفن هشتيا” أي حجر الأساس المذكور في المشناه، و الذي بني عليه الهيكل. وهي عندهم أيضا الصخرة التي وضع عليها تابوت العهد في الهيكل الأول، و مجمرة البخور في الهيكل الثاني. ويذكر مدراش الرابي تنحوما أنها كانت تقع في مقابل غرفة قدس الأقداس -تنحوما قدوشيم: 10_ وكانت قبلتهم في الصلاة.

وسنة 602 ميلادي أقدم كسرى الثاني على اتخاذ خطوة تكتيكية تتمثل في إنشاء تحالف عسكري مع اليهود ، مع وعدهم بإرساء الحكم اليهودي على أرض إسرائيل من جديد. وفي أعقاب إبرام الاتفاق بين كسرى الثاني و نحميا بن هوشيل Nehemiah ben Hushiel

تم تجنيد جيشٍ يهودي يتألف من نحو 20000 جندي في بلاد فارس. وساروا جنبًا إلى جنب مع القوات الفارسية باتجاه بلاد الشام. وشارك في ذلك الحلف، الزعيم اليهودي الثري بنيامين من طبريا ، الذي حشد قوة من يهود طبريا.

وقد تمكنت تلك القوات من الاستيلاء على القدس سنة 614 رومية بعد حصار دام 20 يومًا. وقد وقعت تلك الأحداث في الفترة التي بُعث فيها النبي محمد في مكة، إذ يذكر القرآن قصة الحروب في سورة الروم

وهي قوله تعالى: “غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ”. انتهى

و بعد الغزو الساساني للقدس، ووفقًا لمصادر يهودية، فقد تم تعيين نحميا بن هوشيل حاكمًا للقدس. وبدأ في اتخاذ الترتيبات لـإعادة بناء الهيكل الثالث المزعوم، وهو في حقيقة الأمر، تدبير إلهي يراد من خلاله تخليص المكان من الأدناس التي ألحقتها به النصارى و ترميم أجزاء منه و تهيئته لحادثة الاسراء و المعراج.

والمسجد الأقصى في ليلة الاسراء تم وصفه في العديد من الأحاديث النبوية منها ما رواه شداد بن أوس -رضي الله عنه- قال: “قلنا يا رسول الله: كيف أُسرِيَ بك؟ قال:……..ثم انطلق بي حتى دخلنا المدينة من بابها اليمانيّ فأتى قبلة المسجد فربط دابته فيه ثم دخلنا المسجد من بابٍ فيه تميل الشمس والقمر فصليت في المسجد حيث شاء الله تعالى”. انتهى

وبعد حادثة الاسراء ببضع سنين، عاد البيزنطيون الروم إلى الحكم عام 624 رومية و عاد المسجد الأقصى تحت سيطرتهم ثانية فجعلوه مكبًا للنّفايات، و مزبلة يُلقون فيها القاذورات والأوساخ، لأنها قبلة اليهود، وذلك انتقامًا منهم.

وبقي الأمر كذلك إلى زمن الفتح الاسلامي في خلافة الفاروق عمر بن الخطاب.

وقد روى الإمام الوليد بن مسلم المتوفى سنة 811 رومية، دخول الخليفة عمر القدس، وهي الرواية التي تداولها المؤرخون المسلمون مثل الطبري في “تاريخ الرسل والملوك” والحسن المهلبي في “المسالك والممالك” وشهاب الدين بن تميم في “مثير الغرام” والمنهاجي الأسيوطي المتوفى سنة 1475 رومية في “إتحاف الأخصا بفضائل المسجد الأقصى” ومجير الدين العليمي العمري المقدسي الحنبلي المتوفى سنة 1522 رومية في “الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل”.

وذكر العليمي وغيره أن عمر رضي الله عنه لما فرغ من كتاب الصلح بينه وبين أهل بيت المقدس قال لصفرونيوس بطريرك القدس: “دلني على مسجد داود فقال نعم، وخرج عمر مقلدا بسيفه في أربعة آلاف من الصحابة الذين قدموا معه.

والبطريرك بين يدي عمر في أصحابه حتى دخلوا بيت المقدس، فقال عمر بن الخطاب: « الله أكبر، هذا المسجد الذي وصفه لنا رسول الله »، ثم صلى فيه تحية المسجد بمحراب داود عليه السلام، وهو المكان الذي صلى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء. وصلى عمر بالمسلمين فيه صلاة الغداة من الغد.

قال الطبري: “وعن أبي مريم مولى سلامة قال: شهدت فتح إيلياء مع عمر رحمه الله فسار من الجابية فاصلا حتى يقدم إيلياء ثم مضى حتى يدخل المسجد ثم مضى نحو محراب داود ونحن معه فدخله ثم قرأ سجدة داود فسجد وسجدنا معه”. انتهى

و محراب داود عليه السلام هو المحراب الذي ذُكر في سورة “ص” بقوله تعالى: ” وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ” .

وصلاة عمر في محراب داود أشارت اليه الموسوعة اليهودية، النسخة الإنكليزية بتعبير حاخامي حيث قالوا: ” صلّى الخليفة عمر بن الخطاب على جبل الهيكل بعد فتح القدس عام 638 م بصحبة اليهودي اليمني المرتد كعب الاحبار “. انتهى

ثم سأل عمر عن موضع الصخرة، فعرفه بموضعها كعب الأحبار، فأمر المسلمين بتنظيفها و إزالة ما عليها من الكناسة، حتى قيل: أنه كنسها بردائه، أو نقل التراب عنها في طرف ردائه.

جاء في الموسوعة اليهودية، النسخة الانكليزية قولهم:

ويقال أنّ كعب الأحبار وهو يهودي تحول إلى الإسلام وكان ضمن حاشية عمر حين فتح الأخير القدس، دلّ عمر على مكان الصخرة «إيفن شتياه» (حجر زاوية العالم ) على جبل الهيكل، فأمر بتنظيف الصخرة واستخدم المكان كموضع للصلاة حتى زمن عبد الملك (605-685) والذى بدوره بنى قبة الصخرة”. انتهى

وهنا ينبغي التنبيه أن بعض المسلمين يطلقون أحياناً على الصخرة اسم بيت المقدس، حيث ذكر الطبري في تاريخه ما نصه: “ثم قام من مصلاه إلى كناسة قد كانت الروم قد دفنت بها بيت المقدس في زمان بني إسرائيل فلما صار إليهم أبرزوا بعضها وتركوا سائرها وقال يا أيها الناس اصنعوا كما أصنع”. انتهى

ومما يدل على أهمية تلك الصخرة لكونها مكان عروج النبي صلى الله عليه وسلم نحو السماوات، ما جاء في “تاريخ بيت المقدس”، ليعقوب الفيتري بطريرك عكا المتوفى سنة 1240 رومية، حيث قال أن المسلمين يحترمون صخرة هيكل سليمان حتى هذه الأيام، ويتعاملون معه بوقار حتى أن أحدهم لا يجرؤ على تدنيسه بأي نوع من الأوساخ”، وهذا بحسب ظنه بوجود هيكل سابق.

وبعد تطهير الصخرة وصحن الحرم، ذهب بهم صفرونيوس إلى الكنيسة التي يقال لها كنيسة القيامة وفي أثناء الزيارة

حان وقت الصلاة فأشار عليه البطريرك صفرونيوس أن يصلي في داخلها لكن عمر رضي الله عنه أبى لوجود صور و تماثيل، و لكونها مكان يشرك فيه مع الله. وخرج عمر من الكنيسة وصلى في مكان قريب منها لجهة الجنوب فصلى هناك. وبني فيما بعد في المكان الذي صلى فيه عمر

رضي الله عنه مسجدا يحمل اسم مسجد عمر، أو المسجد العمري. وقد سجل أركولف المتوفى سنة 704 رومية أول شهادة معاصرة للمسجد الذي بناه عمر حوالي سنة 680 رومية، وذلك في الكتاب المسمى

Pilgrimage of Arculfus in the Holy Land

أي صورة: “حج أركولف في الأرض المقدسة”

ومما جاء فيه قوله: “في ذلك المكان الذي شهد في الزمان الغابر صرْح الهيكل العظيم، أقام العرب بالقرب من الحائط من ناحية الشرق، في هذا العصر، مصلى مربع الزوايا، شيدوه من ألواح خشبية قائمة وعليها عوارض فوق بعض الأطلال، وهم يترددون عليه، ويُقال إن هذا المصلى قد يستوعب ثلاثة آلاف رجل في وقت واحد”. انتهى

وقد ذكر سيبيوس في تاريخه قصة حدثت بعد بناء المسجد العمري، فقال: وبعد ان ايقن اليهود بان حلمهم باعادة بناء هيكلهم على الصخرة لن يتحقق لان الهاجريين قاموا ببناء بيتهم ….قام بعض اليهود بذبح خنزيرين ووضعوهما بالمسجد ورشوا الحيطان بالدماء…

ويقول سيبيوس ان الهدف كان هو اتهام المسيحيين بذلك لينتقم منهم المسلمون و يضمنوا بعد ذلك وجودهم بالمدينة و طرد المسيحيين …. الا ان احد كبار المسلمين رآهم و تم القصاص منهم”. انتهى

ونص عبارته:

Now I shall speak about the plot of the Jewish rebels, who, finding support from the Hagarenes for a short time, planned to [re]build the temple of Solomon. Locating the place called the holy of holies, they constructed [the temple] with a pedestal, to serve as their place of prayer. But the Ishmaelites envied [the Jews], expelled them from the place, and named the same building their own place of prayer. [The Jews] built a temple for their worship, elsewhere. It was then that they came up with an evil plan: they wanted to fill Jerusalem with blood from end to end, and to exterminate all the Christians of Jerusalem. Now it happened that there was a certain grandee Ishmaelite who went to worship in their private place of prayer. He encountered three of the principal Jewish men, who had just slaughtered two pigs and taken and put them [in the Muslim] place of prayer. Blood was running down the walls and on the floor of the building. As soon as the man saw them, he stopped and said something or other to them. They replied and departed. The man at once went inside to pray. He saw the wicked [sight], and quickly turned to catch the men. When he was unable to find them, he was silent and went to his place. Then many [Muslims] entered the place and saw the evil, and they

spread a lament throughout the city

وقد عاش اليهود و النصارى معا تحت الحكم الاسلامي، وأما قصة ما اشترطه بعض النصارى من عدم مساكنة اليهود في بيت المقدس الوارد في العهدة العمرية فهذا لم يثبت إسناده، بل ذكره الطبري ومن تبعه بغير إسناد، فقد جاء في تاريخ الأمم ما نصه: “وعن خالد وعبادة قالا: صالح عمر أهل إيلياء بالجابية وكتب لهم فيها الصلح لكل كورة كتابا واحدا ما خلا أهل إيلياء: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم، ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود” انتهى

وجدير بالذكر أن النص المعتمد لهذا العهد لدى كنيسة القدس الأرثودكسية – والذي نشـرتـه بطريركية الروم الأرثودكس ـ غير ثابت، فقد جاء في بعض نصوص المدراش التي نشرها الحاخام النمساوي

Adolf Jellinek

أدولف يلنيك (1821 – 1893م)

ونقل منها المستشرق اليهودي Moshe Gil

موشيه جيل (1921 – 2014م)

في كتابه A History of Palestine

-تاريخ فلسطين- ذكر خطاب من يشيفا أورشليم

– Yeshiva –

وهي مدرسة دينية، للجاليات اليهودية في الشتات -في مصر على الأرجح- ، يعود تاريخه إلى منتصف القرن الحادي عشر، وفيه هذه الفقرة: “وشملنا الرب برحمته إبان مملكة إسماعيل -الحكم الاسلامي- في الوقت الذي امتد فيه سلطانهم وانتزعوا الأرض المقدسة من أيدي إدوم -النصارى-، وجاؤوا إلى أورشليم، حيث كان معهم هناك بنو إسرائيل، وبيّنوا لهم موقع الهيكل وسكنوا معهم حتى اليوم”. انتهى

وفي زمن الوليد بن عبد الملك تم الفراغ من بناء قبة الصخرة، وقد أكدت ذلك وثائق البردي التي احتوت على مراسلات بين قرة بن شريك عامل مصر (90-96هجرية/ 709-714 رومية) وأحد حكام الصعيد، حيث تضمنت كشفاً بنفقات العمال الذين شاركوا في بناء مسجد قبة الصخرة.

روابط ذات علاقة