رد بعض الشبه التي يوردها الملاحدة حول الإسراء

رد بعض الشبه التي يوردها الملاحدة حول الإسراء

قال ابن جرير الطبري في تفسيره لقول الله تعالى “سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ” – سورة الإسراء: 1 – ما نصه: ” والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله أسرى بعبده محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، كما أخبر الله عباده، وكما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم”. انتهى

ومعنى سرى أي سار ليلاً. قال بعض الملاحدة: ” المعنى اللغوي لكلمة أسرى مناقض للرواية الاسلامية لأن الرسول ركب على البراق و لم يتنقل سيرا. وجواب ذلك ما قاله أبو المحاسن القرشي المتوفى سنة 743 هجري في الترجمان عن غريب القرآن: “الأصل سرى و الهمزة للتعدية، و التقدير أسرى البراق بعبده”. انتهى

و قال الحافظ ابن حجر في الفتح: “والمراد بقوله : “أسرى بعبده” أي جعل البراق يسري به كما يقال : أمضيت كذا أي جعلته يمضي ، وحذف المفعول لدلالة السياق عليه ، ولأن المراد ذكر المسرى به لا ذكر الدابة”. انتهى

و المسجد الأقصى هو ثاني مسجِدٍ بُنِيَ في الأرض لعبادة الله، أول من بناهُ نبيُ الله آدم عليه السلام بأمر من الله وذلك بعد بناء الكعبة. وزعم بعضهم أن أول من بناه هو عبد الملك بن مروان وهو كلام باطل، لأن عبد الملك بن مروان أمر بتجديد المسجد الأقصى.

1- بيان أن المراد بكلمة عبده في آية “سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ” هو النبي محمد صلى الله عليه و سلم.

المراد بكلمة عبده في الآية هو النبي محمد صلى الله عليه و سلم جزما، و حادثة الاسراء المذكورة في الآية تؤيدها بعض الأدلة النقلية والتاريخية منها:

-ان عبارة “المسجد الحرام” لم تطلق على الكعبة إلا بعد بعثة النبي محمد صلى الله عليه و سلم. بمعنى أنه لما يقال المسجد الحرام يراد بها الكعبة وحرمها بعد بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، فالكعبة لم تكن تسمى “المسجد الحرام” في زمن موسى أو في زمن غيره من الأنبياء. وهذا بنص القرآن.

– روى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال” “أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه قال فركبته حتى أتيت بيت المقدس قال فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء”. انتهى

وهذه الحلقة قد تم العثور عليها من قبل رئيس قسم المخطوطات والتراث الإسلامي في المسجد الأقصى رضوان عمرو، الذي أكد أن حلقة ربط براق الأنبياء تقع في الركن اليماني للمسجد الأقصى المبارك في منطقة يطلق عليها اسم درب الأشواق.

– ذكر السيوطي في الخصائص الكبرى” أن النبي صلى الله عليه و سلم كان قدأرسل الصحابي دحية الكلبي رضي الله عنه إلى هرقل ملك الروم، وصادف أن كان أبو سفيان بن حرب متواجدا عند هرقل، فلما دخل دحية وسأله هرقل عن النبي، تدخل أبو سفيان وقال: أيها الملك ألا أخبرك عنه خبرًا تعرفُ أنه قد كذب، قال: وما هو؟ قلت: إنه يزعم لنا أنه خرج من أرضِنا أرضِ الحرمِ فى ليلةٍ فجاء مسجدَكم هذا مسجدَ إِيلِيَّاء – اسم مدينة القدس آنذاك- ، ورجع إلينا فى تلك الليلةِ قبلَ الصباحِ. وهنا وقف بطريق الروم وقال لهرقل: قد علمت تلك الليلةَ.. فنظر قيصر وقال: ما علمُك بهذا؟. قال: إنى كنت لا أبيتُ ليلةً حتى أغلقَ أبوابَ المسجدِ، فلمَّا كانت تلك الليلةُ أغلقتُ الأبوابَ كلَّها غير بابٍ واحدٍ غلبنى، فاستعنتُ عليه عمَّالى، ومن يحضرُنى كلهم فعالَجْتُه، فلم نستطعْ أن نحركَّه، كأنما نزاول به جبلاً، فدعوتُ النجَّارين فنظروا إليه، فقالوا: هذا باب قد سقطَ عليه النِّجَافُ أو البنيان، فلا نستطيعُ أن نحركَّه حتى نصبحَ فننظرَ من أين أتى عليه، فرجعتُ وتركتُه مفتوحًا.

وأضاف البطريق: فلما أصبحتُ غدوتُ فإذا الحجرُ الذى من زاويةِ البابِ مثقوبٌ، وإذا فيه أثرُ مِرْبَطِ الدَّابَّةِ، فقلت لأصحابي: ما حُبِسَ هذا البابُ الليلةَ إلا على نبىٍّ، وقد صلَّى الليلةَ فى مسجدِنا”. انتهى

– الإسراءُ والمعراجُ أمران مرتبطان حصلا في جزء من ليلة واحدة، والله يقول عن سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم في سورة النجم: “وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)

فاالذي رأى جبريل في السماء عند سدرة المنتهى هو النبي محمد عليه الصلاة و السلام بعد أن عرج به من المسجد الأقصى إلى السماء و بعد أن أسري به من مكة إلى المسجد الأقصى.

2- الرد على من زعم أن كلمة “عبده” يراد بها النبي موسى عليه السلام

زعم بعضهم أن كلمة “عبده” يراد بها النبي موسى عليه السلام بدليل أنه ذُكر في الآية التي تليها، و إلا فإنه لا توجد مناسبة بين ذكر اسراء محمد وذكر كتاب موسى بعدها مباشرة.

والرد على هذه الشبهة من ثلاث وجوه:

الوجه الأول: ان مناسبة الكلام عن اسراء النبي محمد صلى الله عليه و سلم في الآية الأولى و الكلام عن كتاب موسى في الآية الثانية قد بينها الشيخ أحمد بن مصطفى المراغي المصري المتوفى سنة 1371هـجري حيث قال في تفسير قول الله تعالى: ” وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا”- سورة الإسراء: 2 – ما نصه: “هذه الآية عقب ذكر آية الإسراء بالنبي ﷺ من قبل أن موسى أوتي التوراة بمسيره إلى الطور، كما أسرى بمحمد إلى بيت المقدس”. انتهى

الوجه الثاني: لما كانت سورة الإسراء مصدَّرة في بداياتها بقصة تخريب المسجد الأقصى، كان من المناسب أن تفتتح حديثها بذكر إسراء الرسول إلى المسجد الأقصى، وتشريفه للمسجد بحلول ركابه فيه، جبرًا لما وقع من تخريبه، والغاء لأفضلية بني اسرائيل واصطفائهم على العالمين

الوجه الثالث: هذه الآية لها علاقة وطيدة بخواتيم سورة النحل:

قال تعالى: ” إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ” * ” شَاكِراً لأَنْعُمِهِ ٱجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ” * ” وَآتَيْنَاهُ فِي ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ ” * ” ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ” * ” إِنَّمَا جُعِلَ ٱلسَّبْتُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ” * ” ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ ” * ” وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ ” * ” وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ” * ” إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ” – النحل –

قال الامام ابو حيان فى البحر المحيط:” ومناسبة أول هذه السورة لآخر ما قبلها أنه تعالى لما أمره بالصبر ونهاه عن الحزن عليهم وأن يضيق صدره من مكرهم، وكان من مكرهم نسبته إلى الكذب والسحر والشعر وغير ذلك مما رموه به، أعقب تعالى ذلك بذكر شرفه وفضله واحتفائه به وعلو منزلته عنده”. انتهى

فإن قيل أن ترتيب السور فيه خلاف بين الصحابة: بعضهم قال أنه توقيفي والبعض الآخر قال أنه اجتهادي، فالجواب ما ذكره السيوطي في الاتقان: “قال ابن فارس:‏ جمع القرآن على ضربيْن‏:

أَحدهما: تأليف السّور، كتقديم السَّبْع الطوَال وتعقيبها بالمئين، فهذا هو الذي تولَّته الصحابة‏.

وأَما الجمع الآخر: وهو جمع الآيات في السور، فهو توفيقي تولاه النبيّ صلى الله عليه وسلم، كما أخبر به جبريل عن أمر ربه”. انتهى

ثم قال السيوطي: “قال أَبو بكر الأنباري‏:‏ “أَنزل الله القرآن كلَّه إلى سماء الدنيا، ثمَّ فرَّقه في بضع وعشرين، فكانت السورة تنزل لأَمرٍ يحدث، والآية جواباً لمستخبرٍ، ويوقِف جبريلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم على موضع الآية والسورة، فاتِّساق السُّور كاتِّساق الآيات والحروف، كلّه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمن قدّم سورة أَو أَخَّرها فقد أَفسد نظم القرآن.

وقال الكرمانيّ في البرهان:‏ ترتيب السُّور هكذا هو عند الله في اللَّوح المحفوظ على هذا الترتيب، وعليه كان صلى الله عليه وسلم يعرض على جبريل كلَّ سنة ما كان يجتمع عنده منه، وعرضه عليه في السنة التي تُوفِّيَ فيها مرتين، وكان آخر الآيات نزولاً: “وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ” – البقرة: 281-. فأَمره جبريل أَن يضعها بين آيتي الربا والدَّيْن‏.

ثم قال السيوطي: “وقال ابنُ الحصَّار‏:‏ ترتيب السور ووضْع الآيات موضعها إنما كان بالوحي‏”. انتهى

3/ الرد على من زعم أن كلمة “عبده” يراد بها النبي يعقوب و اسمه اسرائيل.

احتج هؤلاء بما قاله عبد الرحمن السهيلي الأندلسي في كتابه التعريف و الإعلام : “سمي إسرائيل لأنه أسرى ذات ليلة حين هاجر إلى الله تعالى فسمي إسرائيل أي أسرى إلى الله ونحو هذا” انتهى كما في الجامع للقرطبي.

وهذا كلام باطل لأن إسرائيل اسم أعجمي وليس عربي ومعنى إسرائيل عبد الله . قال ابن عباس إسرا بالعبرانية هو عبد ، وإيل هو الله.

قال أبو حيان الأندلي في البحر المحيط عن تفسيره لقول الله تعالى ” يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم” – سورة البقرة – بعد أن ذكر ما قاله السهيلي و غيره: ” وهذه أقاويل ضعاف” انتهى أي لا يعتمد عليها في التفسير

– كما احتج هؤلاء باسم سورة الاسراء و زعموا أن اسمها الأصلي هي سورة بني اسرائيل وعليه يكون المراد بعبده في الآية هو سيدنا يعقوب، و الصواب أن سورة الاسراء من أسمائها سورة سبحان و سورة بني اسرائيل كما تقول: سورة التوبة من أسمائها سورة براءة لا أنه تم تغيير اسمها.

قال العلامة محمد الطاهر بن عاشور في ” التحرير والتنوير ” : ” سميت في كثير من المصاحف سورة الإسراء ، وصرح الألوسي بأنها سميت بذلك، إذ قد ذكر في أولها الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، واختصت بذكره ، وتسمى في عهد الصحابة سورة بني إسرائيل…ووجه ذلك أنها ذكر فيها من أحوال بني إسرائيل ما لم يذكر في غيرها ، وهو استيلاء قوم أولي بأس – الآشوريين – عليهم ، ثم استيلاء قوم آخرين وهم الروم عليهم ، وتسمى أيضا سورة سبحان ؛ لأنها افتتحت بهذه الكلمة ” انتهى

– كما احتجوا بما يروى عن سيدنا يعقوب أنه كان مسافرا ليلا فرأى سلما منصوبا إلى باب السماء، وهذه رواية غير صحيحة و إن صحت فهي مجرد رؤيا منامية كما قال ياقوت في معجم البلدان ونص عبارته: ” وكان مسكنه فلسطين فتوجه إليها يعقوب وأدركه في بعض الطريق الليل فبات متوسد حجرا فرأى فيما يرى النائم كأن سلما منصوبا إلى باب السماء عند رأسه والملائكة تنزل منه وتعرج فيه وأوحى الله إليه إني أنا الله لا إله إلا أنا إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وقد ورثتك هذه الأرض المقدسة وذريتك من بعدك وباركت فيك وفيهم وجعلت فيكم الكتاب والحكمة والنبوة ثم أنا معك حتى تدرك إلى هذا المكان فاجعله بيتا تعبدني فيه أنت وذريتك فيقال إنه بيت المقدس” انتهى

4/ الرد على من زعم أن كلمة “عبده” يراد بها بني اسرائيل

زعم بعضهم أن المراد بعبده في الآية هم بني اسرائيل بدعوى أن عبده في الأصل هي عباده، فلم تكتب ألف المد، وهو كلام مردود لقول الله تعالى ” لنريه من آياتنا” فهو خطاب للمفرد و ليس للجمع.

5- الرد على من زعم أن المسجد الأقصى لم يكن له وجود إبان وقوع حادثة الإسراء

القول بأن المسجد الأقصى لم يكن له وجود إبان وقوع حادثة الإسراء ليس له مستند تاريخي معتمد، وهو من وهم بعض النصارى. على أن الأنجيل فيه ما يفند هذا القول. فقد جاء في سفر الملوك، الأصحاح السادس ما نصه: “فَبَنَى سُلَيْمَانُ الْبَيْتَ وَأَكْمَلَهُ”. انتهى

وأما نسبة بناء المسجد الأقصى إلى عمر بن الخطاب، أو لمن جاء بعهده من الخلفاء والأمراء فغير صحيح و الصواب أن عمر بنى مسجدا يعرف بالمسجد العمري في حرم الأقصى.