شبهة استدلال نفاة المعراج بقوله تعالى: “أَوۡ تَرۡقَىٰ فِی ٱلسَّمَاۤءِ وَلَن نُّؤۡمِنَ لِرُقِیِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَیۡنَا كِتَـٰبࣰا نَّقۡرَؤُه”
ان إنكار المشركين لمعجزة الإسراء والمعراج راجع بالأساس إلى استحالة تحققها في مخيالهم و في تصورهم في حق البشر لكونها أمرا خارقا للعادة فلا يمكن في نظرهم القصير أن تصح في حق سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ولا في حق غيره من البشر، وهذا سببه عدم اقتناعهم بأن الخالق سبحانه وتعالى قادر على خرق هذه العادات متى شاء وأنى شاء، كما أنه قادر على خلقها على الوجه الذي ألِفها الناس واعتادوا عليه.
فيمكن حينئذ القول بأن إنكار المشركين لمعجزة الإسراء مَرَدُّه الأساسي، نفيهم لإمكانية وجود الله الخالق المدبر والفاعل في ملكه مايشاء والخارق للعادات لمن شاء من عباده وماذاك إلا لقِصر أفهامهم وضعف عقولهم.
والعجب ممن ينتسب إلى الإسلام في هذا الزمان، وهم بالضرورة أناسٌ يعتقدون قدرة الله على كل شيء، فينفون معجزة المعراج ويستعظمونها ويستبعدون صحتها على أساس عقلي زاعمين أنه أمر لا يقبله العقل، وهذا يشكل عليهم من عدة نواحي، لأن المؤمن بالله لا يستعظم ولا يستبعد إمكانية حصول الخوارق خلقا وتكوينا من البارئ سبحانه، لكونه يؤمن بأن الله قادر على كل شيء، فإن صدق بصحة المعجزات ونفى نسبتها للنبي لم يبق لنا إلا أن نعتقد فيه أنه يستكثرها ويستثقلها في حق النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقبل بتشريف الله له من خلالها، وهي منقصة في حق المصطفى وقلة إيمان بحقيته فيها صلى الله عليه وسلم وبجواز حصول المعجزات في حقه.
والغريب أن بعض هؤلاء يستدلون بقوله تعالى: “وَقَالُوا۟ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفۡجُرَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَرۡضِ یَنۢبُوعًا. أَوۡ تَكُونَ لَكَ جَنَّةࣱ مِّن نَّخِیلࣲ وَعِنَبࣲ فَتُفَجِّرَ ٱلۡأَنۡهَـٰرَ خِلَـٰلَهَا تَفۡجِیرًا. أَوۡ تُسۡقِطَ ٱلسَّمَاۤءَ كَمَا زَعَمۡتَ عَلَیۡنَا كِسَفًا أَوۡ تَأۡتِیَ بِٱللَّهِ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ قَبِیلًا. أَوۡ یَكُونَ لَكَ بَیۡتࣱ مِّن زُخۡرُفٍ أَوۡ تَرۡقَىٰ فِی ٱلسَّمَاۤءِ وَلَن نُّؤۡمِنَ لِرُقِیِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَیۡنَا كِتَـٰبࣰا نَّقۡرَؤُهُۥۗ قُلۡ سُبۡحَانَ رَبِّی هَلۡ كُنتُ إِلَّا بَشَرࣰا رَّسُولࣰا” -الإسراء 90-93-
والشاهد عندهم في الآية هو قوله عز وجل: “أَوۡ تَرۡقَىٰ فِی ٱلسَّمَاۤءِ وَلَن نُّؤۡمِنَ لِرُقِیِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَیۡنَا كِتَـٰبࣰا نَّقۡرَؤُه” -الإسراء:93-
وهذه من الشبهات التي فندها العديد من الباحثين مثل الباحث إدريس الكنبوري المغربي، وذكر أن هؤلاء ليس لهم في ما ذكروه حجة، لأن كفار قريش تحدوا النبي صلى الله عليه وسلم باجتراح أمور مخصوصة حتى يؤمنوا بنبوته، ومنها أن يرقى إلى السماء. وليس هذا فحسب، بل أن يرقى ثم يأتيهم بكتاب يقرأونه.
والله سبحانه يقول لنبيه، قل لهم:”سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا”.
بمعنى: ما أنا إلا بشر لا أستطيع الرقي في السماء وحدي.
فالاستطاعة هنا منسوبة إلى النبي لا إلى الله سبحانه. فلا يستطيع النبي ولا أي نبي ٱخر أن يرقى في السماء ما لم يكن ذلك بتقدير و تمكين من الله تعالى.
والذين يستدلون بالآية على نفي المعراج يعتقدون أن المعراج من فعل النبي، وأن بشريته تحول دون ذلك، وهذا صحيح، ولكنهم يطابقون بين عدم قدرة النبي وعدم قدرة الله سبحانه وتعالى من حيث لا يشعرون.
وبشرية النبي صلى الله عليه وسلم تحول عقلا ضد قدرته، منطقيا وعلميا، على الرقي في السماء في جزء من الليل والعودة إلى مسكنه. ولكن هذا يؤكد نبوته، وأنه بشر يتلقى الوحي من الله، بدليل قوله”سبحان ربي، هل كنت إلا بشرا رسولا”.
ثم ان هذه الآية ذات شطرين: فقوله: فسبحان ربي معناه تنزه ربي أن تشبه صفاته صفات المخلوقين، وبالتالي فهو متصف بتمام القدرة، وأنه هو القادر على أن يرقى بنبيه، وقوله: و”هل كنت إلا بشرا رسولا” تثبت عجز القدرة البشرية، النبوية، عن الرقي إلى السماء.
وعبارة”سبحان ربي” هي ذاتها التي تبدأ بها سورة الإسراء، وهو قوله تعالى: “سبحان الذي أسرى بعبده”.
فالتمكين والاقدار على الإسراء هنا مطابق للتمكين و الاقدار على المعراج هناك.
وكلاهما من باب خرق العادة من الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم. فلا يكون ذلك مستحيلا في حق النبي من الناحية الشرعية.
ثم ان المحتجين بالٱية 93 من سورة الاسراء غضوا الطرف عن الٱيات السابقة وفيها ذكر بعض مطالبهم الأخرى وهي إما تفجير الأرض أنهارا ، أو اسقاط السماء ، أو الاتيان بالله والعياذ بالله أوبالملائكة أو أن يرقى في السماء فيأتي منها بكتاب موجه إلى كل كافر، كما جاء في التفسير عن مجاهد وغيره ، وهو موافق لقوله تعالى : ” بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفاً مُنَشَّرَةً”- المدثر /52 – فهذا الاستبعاد منصب على مجموع هذه المطالب ، لا على آحاد كل منها كما توهمه هؤلاء المشوشين ، وإلا ففيها مطالب مما هو ممكن عادة.
ثم ان من ينكر الاسراء أو المعراج سيؤول به تفكيره العقيم الى انكار قوله تعالى: “قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ “
فالذي نقل عرش بلقيس قادر أن ينقل النبي كما شاء بالوسيلة التي شاءها له. وليلاحظ أيضا ما ورد في الآية الكريمة”، وهو قوله “هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ.” فهو امتحان للمؤمن لاظهار تصديقه بقدرة الخالق عز وجل.
وقد زعم بعض المشوشين أن العروج مستحيل أيضا في حق جبريل وزعم أنه يحتاج إلى خمسين ألف سنة عروجا كما حكمت سورة المعارج. وظاهر هؤلاء أنهم لا يفرقون بين الامكان و التمكين و القدرة و الاقدار، و لا يميزون أصلا بين أقسام الحكم العقلي: الممكن و المستحيل والواجب العقلي.
وأما اليوم المذكور في سورة المعارج ومدته خَمْسونَ أَلْفَ سَنَةٍ، فهو يوم القيامة، وذلك مفهوم من قوله تعالى: “سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ* لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ* مِنَ الله ذِي الْمَعَارِجِ* تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ* فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً* إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً* وَنَرَاهُ قَرِيباً”.
قال أبو جعفر الطحاوي في عقيدته المشهورة بين المسلمين : ” والمعراج حق ، وقد أسري بالنبي وعرج بشخصه في اليقظة إلى السماء ، ثم إلى حيث شاء الله من العلا ، وأكرمه الله بما شاء وأوحى إليه ما أوحى ، ما كذب الفؤاد ما رأى ؛ فصلى الله عليه وسلم في الآخرة والأولى ” انتهى .
روابط ذات علاقة
المسجد الأقصى
تاريخ المسجد الأقصى
شبهة ان المسجد الاقصى كان مزبلة زمن الاسراء
رد دعوى بيت المقدس بالجعرانة
المسجد القبلي
ذكر المسجد الأقصى في المخطوطات القرٱنية المبكرة
بيان ان الاسراء كان يقظة
شبهة اسراء موسى
الاسراء والمعراج
شبهات حول البراق https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=3627527850659268&id=194651207280300
شبهات الملاحدة حول الاسراء
