الرد على شبهة #Khaled_Balkin
حول الاسراء و المعراج
في ما يلي تعقيب على فيديو الباحث التونسي #خالد_بلكين
بعنوان ” المقدمة الثالثة، المسجد الأقصى على الأرض أم في السماء
والذي نشره تحت الرابط التالي الذي قيل فيه
رحلة الاسراء و المعراج تضمنت أحداث كثيرة لم يستوعبها حديث واحد، إنما نقلها الصحابة عن طريق روايات كثيرة تحكي كل واحدة منها طرفًا من القصة، وهذا ما قد يُؤَدِّي إلى بعض الاضطراب في الفهم عند مَنْ لم يُحِطْ علمًا بالروايات الصحيحة الكثيرة المذكورة عن الإسراء والمعراج، وبالتالي يظنُّ التعارض بين الأحاديث، أو يظنُّ تعدُّد الإسراء والمعراج، والحقُّ أن الإسراء والمعراج كان مرَّة واحدة فقط بعد أن أوحي للنبي صلى الله عليه.
وقد بدأت قصة الإسراء والمعراج برؤيا رآها الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يُوحى إليه، تمامًا كما حدث في موضوع الوحي، فكما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى جبريل في منامه يقول له: “اقرأ”، ثم حدث ذلك على الحقيقة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قصة عروجه إلى السماء قبل أن تحدث على الحقيقة بعد ذلك بأعوام، فكان ذلك تمهيدًا لحدث هائل و هو المعراج.
وهذا هو قول المهلب شارح البخاري وأبي نصر بن القشيري و السهيلي و ابن العربي.
قال السيوطي في الخصائص الكبرى ما نصه: “وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: وقع الاسراء في النوم و في اليقظة ووقع بمكة و بالمدينة- أي في المنام-، ونكتة وقوعه في النوم توطين النفس و تمهيدها ليسهل ذلك عليه، إذ وقع في اليقظة كما كان بدأ نبوته الرؤيا الصادقة ليسهل عليه أمر النبوة”. انتهى
ثم نقل السيوطي عن الحافظ ابن حجر أنه قال: “فإن قيل بتعدد ذلك بأن وقع في المنام توطئة ثم في اليقظة على وفقه لم يبعد، قال وقد تكرر الاسراء في المنام بالمدينة”. انتهى
و كمثال لروايات الرؤيا ما رواه البخاري عن شريك بن عبد الله – أي ابن أبي نمر وهو مدني تابعي – عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: “لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَسْجِدِ الكَعْبَةِ، أَنَّهُ جَاءَهُ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، فَقَالَ أَوَّلُهُمْ: أَيُّهُمْ هُوَ؟ فَقَالَ أَوْسَطُهُمْ: هُوَ خَيْرُهُمْ. فَقَالَ آخِرُهُمْ: خُذُوا خَيْرَهُمْ. فَكَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى أَتَوْهُ لَيْلَةً أُخْرَى، فِيمَا يَرَى قَلْبُهُ وَتَنَامُ عَيْنُهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ، وَكَذَلِكَ الأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلاَ تَنَامُ قُلُوبُهُمْ… الحديث،
وهذا الكلام من أنس رضي الله عنه أثبت لنا حدوث الرؤيا في المنام مرَّتين؛ الأولى عندما جاءه ثلاثة من الملائكة حيث قال: “وَهُوَ نَائِمٌ”. ثم قال بعد قليل عندما وصف الرؤيا الثانية: “فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى أَتَوْهُ لَيْلَةً أُخْرَى و قال “فِيمَا يَرَى قَلْبُهُ وَتَنَامُ عَيْنُهُ…”.
و في ختام الرواية قال أنس رضي الله عنه: “وَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ فِي مَسْجِدِ الحَرَامِ”.
فهذا صريح في أنه كان نائمًا صلى الله عليه وسلم.
و روايات الرؤيا ذكرها ابن منده في كتاب الايمان و البيهقي في دلائل النبوة و الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق كلهم
من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك.
وأما بعد الوحي، فقد حصلت قصة الاسراء و المعراج للنبي يقظة. فاسري به من مكة إلى بيت المقدس ثم عرج به الى السماوات السبع وهذا ما تؤكده رواية مسلم بسنده عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن انس بن مالك عن النبي صلى الله عليه و سلم، و رواية أبي سعيد الخدري عند ابن إسحاق وهي قوله: “فلما فرغت مما كان في بيت المقدس أتى بالمعراج…” فذكر الحديث. وهذه الحادثة حصلت للنبي مرة واحدة.
واما احتجاج بعض الفقهاء بروايات الرؤيا على روايات اليقظة فلأن احداث اليقظة وافقت أحداث المنام فلم يجدوا مانعا من الخلط بينها.
تنبيه:
يمكن التمييز بين روايات الرؤيا التي حصلت قبل الوحي و روايات الحقيقة كما يلي:
أ- الذي حدث عند البيت الحرام و زمزم هو الرؤيا، حيث كان نائمًا صلى الله عليه وسلم، أو بين النائم واليقظان، فرأى الرؤيا التي ستتحقق بعد ذلك بسنوات عديدة.
ب- الروايات التي تتحدَّث عن المعراج عند حدوثه على الحقيقة لم تذكر أمر الثلاثة الذين جاؤوا للنبي، إنما ذكرت أمر جبريل صلى الله عليه وسلم فقط، فهذا يُوَضِّح أن الروايات تتحدَّث عن أمرين مختلفين، أمر الرؤيا وأمر الحقيقة.
ج- في روايات الرؤيا تم استثناء قصة الإسراء، فانتقلت الأحداث من المسجد الحرام إلى السماء الدنيا. ولا يعني ذلك ان المسجد الاقصى في السماء كما يقول بذلك بعض الشيعة بلا وجه دليل من ذلك ما ذكره محمد بن مسعود العياشي في في بعض تفاسيره . واستثناء ذكر المسجد الأقصى وردت أيضا في بعض الأحاديث التي رواها الزهري عن أنس بن مالك عن أبي ذر الغفاري مما يدل على انه يتكلم عن رؤيا منام ايضا
د- هناك اختلافات بين الروايات في تحديد أماكن وجود الأنبياء، فرواية مسلم التي رواها أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة رضي الله عنه، ذكر فيها مالك بن صعصعة ما سمعه مباشرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بينما في رواية البخاري فإن أنسًا رضي الله عنه يصف أمر الرؤيا بكلامه هو، ولا يذكر كلام الرسول صلى الله عليه وسلم؛ مما يدلُّ على أنه قد جمع هذه المعلومات من روايات شتى، لعلَّ بعضها نقلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والأخرى نقلاً عن بعض الصحابة، وقد صرَّح فيها أنه لم يحفظ اسم النبي الموجود في السماء الخامسة كما أغفل أسماء الأنبياء الموجودين في الثالثة، ولا يخفى علينا هنا أن الأصوب في تحديد أماكن الأنبياء الذين قابلهم صلى الله عليه وسلم في رحلة المعراج هو رواية مالك بن صعصعة رضي الله عنه عند مسلم، التي صرح فيها بالسماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ه- روايات الرؤيا أغلبها وردت من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك و ايضا من طريق قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة و ايضا من طريق شريك عن أنس بن مالك وهي عند البخاري.
بينما روايات المعراج الحقيقي وردت أغلبها من طريق حماد بن سلمة عن ثابت البناني
ومما يدل على ان الاسراء وقع يقظة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى هو تكذيب قريش له و لو كان مناما لما كذبوه وما طالبوه بذكر وصف بيت المقدس لمعرفتهم به وعلمهم بأنه ما كان رآه قبل ذلك فأمكنهم استعلام صدقه في ذلك.
جاء في صحيح البخاري ما نصه: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ عُقَيْلٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ ، قُمْتُ فِي الحِجْرِ ، فَجَلاَ اللَّهُ لِي بَيْتَ المَقْدِسِ ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ”. انتهى
