اعتراضات الملاحدة حول معجزة انشقاق القمر
تُعَدّ حادثة انشقاق القمر من أشهر المعجزات الواردة في السيرة النبوية، وقد شكّلت لليوم، محلَّ جدلٍ عند بعض المنكرين للنبوات، وخصوصًا التيار الإلحادي المعاصر. ويقع الإشكال غالبًا في سوء الفهم والخلط بين المستحيل والممكن العقلي، إضافة إلى تحكيم الطبيعة بوصفها كيانًا مؤثرا ذاتيا بزعمهم.
و أما الدراسات الاستشراقية فنجد فيها استهتارًا بآية انشقاق القمر، بتصويرها في قالب الخرافة، كما في مقالة المستشرق الفرنسي مكسيم رودينسون : ” القمر عند العرب وفي الإسلام”
وليعلم أولا أن المعجزة هي أمر خارقٌ ومخالف ومناقض للعادة يجريه الله تعالى لإثبات صدق نبيٍّ من الأنبياء يأتي على وفق دعوى من ادّعى النبوّة، سالم من المعارضة بالمثل، صالح للتحدي. ومعجزة انشقاق القمر، ليست ظاهرة فلكية قابلة للرصد الدوري، بل هي حدثٌ استثنائي لحظي وقع وانقضى دون أن خلف أثرًا مستمرًا.
وليعلم أن علماء المنطق فرّقوا بين:
– المستحيل العقلي: وهو ما لا يتصور في العقل وجوده أصلا.
– الممكن العقلي: ما لا يستحيل في ذاته، وإن كان غير مألوف.
وانشقاق جرمٍ سماويّ، كالقمر مثلا، لا يندرج في دائرة المستحيل العقلي، بل في دائرة الممكن؛ الذي يصح في العقل وجوده أو عدمه على السواء. فكما أن النيازك التي نراها في السماء هي شظايا وأجزاء من بعض الكويكبات، وكما أن الفيزياء الفلكية الحديثة تقر بانشطار النجوم وانهيارها Supernova
وكما أن أصحاب نظرية الاصطدام العملاق
Giant Impact Hypothesis
يزعمون أن القمر كله كان جزءًا من الأرض، ثم انفصل عنها بسبب اصطدام في بداية تشكّل النظام الشمسي، فهذا كله لا يجعل حصول انشقاق القمر لنصفين أمرا مستحيلا، بل أمرا ممكنا. وتفسير هذا الإمكان يقوم على قاعدة عقلية معروفة:
“الممكن يتساوى حدوثه وعدم حدوثه، ولا يقع إلا بمرجّح”.
وبناء عليه، لا يُستغرب وقوع خرقٍ للعادة ما دام له مرجّح رجح حدوثه.
وغالبا ما يستند الملاحدة إلى أن معجزة الانشقاق “مستحيلة” لأنها تخالف قوانين الطبيعة. وهذا الاستدلال قائم على مغالطة؛ لأن القوانين الطبيعية ليست “قواعد مُلزِمة بذاتها”، بل وصف لطريقة عمل الكون المعتادة، و قوانين الطبيعة هي استقراءٌ لا يرقى إلى الضرورة.
واللافت أن كثيرًا من الملاحدة يرفضون خرق العادة في المعجزات، بينما يقولون بإمكان:
– الأكوان المتوازية (multiverse)،
– نشأة الكون صدفةً بعد الانفجار العظيم،
– أزلية الطاقة أو المادة،
– وجود كائنات فضائية متقدمة.
وكلها نظريات بلا أدلة مادية تخضع للرصد. فكيف يُستنكر إمكانية انشقاق القمر، ويُقبل غيره بلا بيّنة؟
بل إن القوانين الطبيعية والفيزيائية ظهرت بعد نشأة الكون وليس قبله. فكيف يصح استعمال قوانين من داخل الطبيعة لتفسير نشأة الطبيعة نفسها، فليس بوسعهم إلا تقديم نظريات لا غير.
ثم إن البحث في المعجزات فرعٌ عن إثبات وجود الخالق وصدق المرسَل. فلا معنى لمناقشة تفاصيل المعجزة قبل تقرير المقدمات الأساسية: كوجود صانع حكيم، واثبات النبوات.
فإذا ثبتت هذه الأصول، صار قبول المعجزات أمرًا مترتبًا عليها، لا مستقلًا عنها.
و يشبه إنكار هؤلاء لمعجزة الانشقاق موقفَ شخصٍ عاش قبل اكتشاف الطيران، وقيل له إن الإنسان سيتمكن من السفر عبر مركبة تطير في الهواء، فأنكر ذلك بدعوى أن ذلك يخالف “قوانين الفيزياء” في عصره.
وهكذا فإن المعجزة ليست خرقًا للقانون من داخله، بل فعلٌ يسميه بعضهم فوق طبيعي لا يتقيد أصلاً بقوانين الطبيعة.
و مع أن المعجزات ليست ملزَمة بترك آثار، فقد سعى باحثون مسلمون وغربيون إلى تتبع بعض الشواهد التاريخية والجيولوجية الداعمة للحدث، ومنها:
▪︎ الروايات الشفوية خارج التراث الإسلامي: تُذكر في التراث الهندوسي قصة عن “انشقاق القمر”، وقد لفت بعض المؤرخين الغربيين إلى احتمال وجود أصل تاريخي لهذه القصة، وهو ما يجعلها شاهِدًا خارجيًا يُعزّز وقوع الظاهرة.
قال الشيخ رحمت الله الهندي في إظهار الحق: “وفي المقالة الحادية عشر من تاريخ “فرشته” أن أهل مليبار من إقليم الهند رأوه أيضًا، وأسلم والي تلك الديار التي كانت من مجوس الهند بعد ما تحقق له هذا الأمر”. انتهى
▪︎ الشقوق القمرية Lunar Rilles
توجد على سطح القمر تكوينات جيولوجية عميقة تُسمّى Rilles،
وقد اختلف العلماء في تفسير نشأتها.
فبعض الفرضيات تتحدث عن:
-أنفاقٍ بركانية
– انهيارات سطحية.
– كسور جيولوجية قديمة.
وعدم وجود تفسير قطعي لهذه التكوينات يجعلها قرينةً محتملة —وليست دليلاً قاطعًا— تدعم إمكان وقوع حدث استثنائي في القمر.
وراجع الروابط التالية:
https://www.facebook.com/share/p/1FcfZkHHBh/
https://www.facebook.com/share/p/19xJrL38Wm/
ومن المهم هنا التنبيه على مغالطة يستعملها هؤلاء الملاحدة، وهي مغالطة “الدليل المفقود”، فإذا قُدّم لهم دليل مادّي، قالوا: القصة مقتبسة أو مُختلقة اعتمادًا على ذلك الدليل. وإن لم يُقدّم، قالوا: القصة كاذبة لأنها بلا دليل مادّي. وهذا النوع من الاحتجاج هو تحكيم للهوى لا للمنهج العلمي.
فينبغي القطع أنه ليس في حادثة انشقاق القمر ما يُناقض العقل، بل هي من الممكنات العقلية التي تقع بمرجّح، وأن الاعتراضات الإلحادية القائمة على “حتمية قوانين الطبيعة” لا تستقيم منطقيا؛ لأن القوانين نفسها جزء من عالمٍ حادث، لا تملك سلطة الضرورة الذاتية.
مقالات ذات علاقة:
