تنزيه الله عز وجل عن الجسمية والحدود من كلام ابن خزيمة

تنزيه الله عز وجل عن الجسمية والحدود من كلام ابن خزيمة

المتوفى سنة 311 هجري

قال ابن خزيمة في مقدمة كتابه المسمى “التوحيد”، ما نصه : “الحمد لله العلي العظيم السميع البصير الحكيم الحليم اللطيف الخبير ذي النعم والسوابغ والفضل الواسع والحجج البوائغ تعالى ربنا عن صفات المحدودين وعن شبه المخلوقين وتنزه عن مقالة المعطلين…”. انته‍ى

وأكد على تنزيه الله عن الجسمية بنفي الأبعاد أثناء كلامه على حديث الصورة فقال : ” جلا وعلا عن أن يوصف بالذرعان والأشبار” انته‍ى، وهي القراءة الصحيحة لنص كلامه، فقد اقتبسها كذلك الإمام ابو القاسم الأنصاري في شرحه للإرشاد وابن تيمية في كتبه .

وهكذا نجد أن ابن خزيمة ينزه الله عن الجوارح كالذراعين والأشبار، وينفي الحد عن الله. وبالتالي فهو

من كبار الجهمية و المعطلة بحسب معتقد غلاة الحشوية كالحدادية وأضرابهم.

وراجع ما ذكره عن صفة الكلام:

https://www.facebook.com/share/p/1AJrd3Dbua/

روابط ذات علاقة:

قصة ابن خزيمة مع بعض تلاميذه:

https://www.facebook.com/share/p/17K9XseHN4/

ذكر بعض عقائد ابن خزيمة التي نقلها الحاكم

https://www.facebook.com/share/p/1Yn6wzN2hX/

توبة ابن خزيمة:

https://www.facebook.com/share/p/17ArREM82P/

أبو بكر ابن خزيمة – المتوفى سنة 311 هـجري

ليعلم أن ابن خزيمة كان لا يحسن علم الكلام و الأصول و العقائد رغم كونه حافظا محدثا و قد أدى به ذلك إلى التصريح بالتشبيه والتجسيم في كتابه المسمى بالتوحيد. وقد تأثر ابن خزيمة برأس الكرامية بن كرام؛ فقد نقل الإمام تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى جزء 3 صحيفة 304 عن الحاكم أنه ذكر في تاريخه محمد بن كرام فقال : “وقد أثنى عليه فيما بلغني ابن خزيمة واجتمع به غير مرة” انتهى

ثم إن المجسمة و إن كانت تلقبه بالإمام و تحتج بكتبه إلا أنه في حكم القبوريين المشركين عندهم. فقد نقل الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب جزء 3 صحيفة 195عند “ترجمة الامام علي بن موسى الرضا نقلا عن الحاكم أنه قال في تاريخ نيسابور ما نصه: “وسمعت أبا بكر محمد بن المؤمل بن الحسن بن عيسى يقول خرجنا مع امام أهل الحديث أبي بكر بن خزيمة وعديله أبي علي الثقفي مع جماعة من مشائخنا وهم إذ ذاك متوافرون إلى زيارة قبر علي بن موسى الرضا بطوس قال فرأيت من تعظيمه – يعني ابن خزيمة- لتلك البقعة وتواضعه لها وتضرعه عندها ما تحيرنا” . انتهى

1- ذكر العلماء الذين نقدوا كتاب التوحيد لابن خزيمة
كتاب التوحيد لابن خزيمة فيه مخازي شنيعة في تجسيم الله بخلقه ففيه باب بعنوان إثبات الأصابع والقدم لله عز وجل ونحو ذلك ومع أنه اشترط الصحة فيما ذكر إلا أنه لم يلتزم بذلك فأخرج فيه متوناً منكرة وأسانيد واهية منها ما جاء في أن الكرسي موضع قدميه، وأن العرش يئط به ، وأنه تجلى منه مثل طرف الخنصر، وأنه يهبط ثم يرتفع تعالى عن ذلك علواً كبيراً ، وأن جنة عدن مسكنه ، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم رآه في روضة خضراء دونه فراش من ذهب يحمله أربعة من الملائكة وغير ذلك من الأمور الشنيعة.
و ابن خزيمة كان يورد في هذا الكتاب عبارات صريحة في التشبيه ثم يقول: “إنّا نثبت للّه ما أثبته اللّه لنفسه ونقر بذلك بألسنتنا ونصدق بذلك بقلوبنا من غير أن نشبه” كما في الصحيفة 11، و هذه ا لعبارة اتخذها واجهة فقط لتبرير نقل الروايات الصريحة في التجسيم والجهة ، مع أن تلك الروايات لا تتحمل ذلك التأويل الذي يلهج به ابن خزيمة وأبناء جلدته.
وقد ردّ عليه الإمام أبو بكر ابن فورك رحمه الله في كتاب “مشكل الحديث وبيانه” فقال:” ثم سألتم عند انتهائها إلى هذا الموضع من كتابنا أن نتأمل مصنف الشيخ أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة رضي الله عنه, الذي سماه كتاب التوحيد , وجمع فيه نوع هذه الأخبار التي ذكرت فيها هذه الألفاظ المتشابهة , وحمل ذلك على أنها صفات الله عز وجل , وأنه فيها لا يشبه سائر الموصوفين بها من الخلق فتأملنا ذلك وبينا ما ذهب فيه عن الصواب في تأويله, وأوهم خلاف الحق في تخريجه, وجمعه بين ما يجوز أن يجري مجرى الصفة وما لا يجوز ذلك فيه وذكرنا ألفاظا ذكرها في كتابه الذي روى وجمعها فيه مما لم يدخل فيما أملينا قبل ورتبنا معانيها , وإن كنا قد أومينا إلى أصله وأشرنا إلى طريقته”. انتهى
ورد عليه أيضا الشيخ ابن جماعة في إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل حيث قال:” فإن احتج محتج بكتاب ابن خزيمة وما أورد فيه من هذه العظائم وبئس ما صنع من إيراد هذه العظائم الضعيفة والموضوعة, قلنا لا كرامة له ولا أتباعه إذا خالفوا الأدلة العقلية والنقلية على تنزيه الله تعالى بمثل هذه الأحاديث الواهية وإيرادها في كتبهم”. انتهى

و قال الرازي في تفسيره جزء 27 صحيفة 150 عندشرحه لقول الله تعالى” ليس كمثله شيء” : “واعلم أنّ محمد بن إسحاق بن خزيمة أورد استدلال أصحابنا بهذه الآية في الكتاب الذي سمّاه بالتوحيد, وهو في الحقيقة كتاب الشرك، واعترض عليها. وأنا أذكر حاصل كلامه بعد حذف التطويلات، لأنّه كان رجلاًمضطرب الكلام، قليل الفهم، ناقص العقل”. انتهى
وقال ابن جهبل في رده على الفتوى الحموية :”على أن ابن خزيمة قد علم الخاص والعام حديثه في العقائد , والكتاب الذي صنفه في التشبيه, وسماه بالتوحيد, ورد الأئمة عليه أكثر من أن يذكر, وقولهم في ما قاله هو في غيره معروف”. انتهى

وقال الشيخ محمد زاهد الكوثري في مقالاته صحيفة 361 ما نصه: “ولهذين الكتابَيْن ثالثٌ في مجلَّدٍ ضخمٍ يُسمِّيه مؤلفُه ابن خزيمةكتاب التوحيد” وهو عند محقِّقـي أهلِ العلم كتاب الشرك. وذلك لِما حواه من الآراء الوثنية”. انتهى
فكيف تقول المجسمة أن ابن خزيمة كان محل اتفاق بين أهل السنة؟ وقد رد عليه كثير من أهل السنة و ذكر بعضهم أنه تاب ؟

وحتى المدعو حمود التويجري اعترف بأخطاء ابن خزيمة فقال في كتابه المسمى: “عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن”: “ومن زلات ابن خزيمة…”. انتهى

2- مخالفة ابن خزيمة للمجسمة

أ- حديث الصورة: لقد خالف ابن خزيمة مسلك الحشوية في بعض الصفات فقد أوَّل حديث الصورة في كتابه المسمى بالتوحيد جزء 1 صحيفة 84 – طبعة الرشد – حيث قال :”قال أبو بكر : توهم بعض من لم يتحر العلم أن قوله : على صورته يريد صورة الرحمن ، عز ربنا وجل عن أن يكون هذا معنى الخبر ، بل معنى قوله : خلق آدم على صورته ، الهاء في هذا الموضع كناية عن اسم المضروب والمشتوم ، أراد صلى الله عليه وسلم أن الله خلق آدم على صورة هذا المضروب الذي أمر الضارب باجتناب وجهه بالضرب ، والذي قبح وجهه فزجره صلى الله عليه وسلم أن يقول وجه من أشبه وجهك ، لأن وجه آدم شبيه وجه بنيه ، فإذا قال الشاتم لبعض بني آدم : قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك كان مقبحاً وجه آدم صلوات الله وسلامه عليه الذي وجوه بنيه شبيهة بوجه أبيهم، فتفهموا رحمكم الله معنى الخبر، لا تغلطوا ولا تغالطوا فتضلوا عن سواء السبيل ، وتحملوا على القول بالتشبيه الذي هو ضلال. انتهى
و هذا التأويل الذي قاله ابن خزيمة ذكره شيخ المجسمة ابن تيمية في “جواب الاعتراضات المصرية على الفتيا الحموية” صحيفة 168 – المجمع / عالم الفوائد-حيث قال: “وكذلك تأوله – أي حديث الصورة – الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة وجعل الضمير عائداً على المضروب ، وعلل رواية الرحمن وتأولها – بتقدير صحتها – على أن الإضافة إلى الله إضافة خلق ؛ لأن الله خلقه تشريفاً وتكريما”. انتهى

وقال أيضاً في الصحيفة 170 ما نصه:” فأما تأويل من لم يتابعه عليه من الأئمة فغير مقبول ، وإن صدر ذلك التأويل من إمام معروف غير مجهول؛ نحو ما ينسب إلى أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة تأويل حديث “خلق آدم على صورته” ، فإنه تفرد بذلك التأويل ، ولم يتابعه عليه من قبله من أئمة الحديث”. انتهى

وقد حاول ابن تيمية تبرئة ابن خزيمة من التأويل وأنه إفك مفترى ومزور عليه رغم أنه ثابت في كتابه التوحيد وحاول رد التأويل بكونه لم يتابعه عليه أحد. وقد دافع الإمام تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى جزء 3 صحيفة 119عن هذا التأويل بقوله: “دعوى أن الضمير في “صورته” عائد إلى رجل مضروب ، قاله غير ابن خزيمة أيضاً ، ولكنه من ابن خزيمة شاهد صحيح لا يرتاب فيه من أن الرجل بريء عما ينسبه إليه المشبهة ، وتفتريه عليه الحشوية ، وبراءة الرجل منهم ظاهرة في كتبه وكلامه ، ولكن القوم يخبطون عشواء ويمارون سفهاً وممن ذكر من أصحابنا أن الضمير في صورته عائد على رجل ، أبو علي بن أبي هريرة في تعليقه في باب التعزير”. انتهى

ب- انكاره الأثر الذي فيه أن الله عز وجل وضع رجله على صخرة
قال ابن خزيمة في كتابه المسمى بالتوحيد :”حَدَّثَنَا محمد بن العلاء أبو كريب قال حدَّثنا أبو اسامة عن هشام وهو ابن عروة عن أبيه قال: قدمت على عبد الملك فذكرت عنده الصخرة التي ببيت المقدس فقال عبد الملك هذه صخرة الرحمن التي وضع عليها رجله فقلت سبحان الله يقول الله تبارك وتعالى:”وسع كرسية السموات والأرض” وتقول وضع رجله على هذه يا سبحان الله إنما هذه جبل قد أخبرنا الله أنه ينسف نسفًا فيذرها قاعًا صفا صفًا. انتهى

3- كلامه عن الفوقية
قال ابن خزيمة في كتابه المسمى بالتوحيد ما نصه: “من لم يقل إن الله فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه وجب أن يستتاب ، فإن تاب و إلا ضربت عنقه ، ثم ألقي على مزبلة لئلا يتأذى به أهل القبلة ولا أهل الذمة” انتهى

و قال الحاكم في معرفة علوم الحديث ما نصه: ” سمعت محمد بن صالح بن هانئ يقول : سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول : من لم يقر بأن الله تعالى على عرشه قد استوى فوق سبع سماواته ، فهو كافر بربه يستتاب ، فإن تاب ، وإلا ضربت عنقه ، وألقي على بعض المزابل حيث لا يتأذى المسلمون ، والمعاهدون بنتن ريح جيفته ، وكان ماله فيئا لا يرثه أحد من المسلمين ، إذ المسلم لا يرث الكافر كما قال صلى الله عليه وسلم”. انتهى

و نقله المشبه ابن القيم في اجتماع جيوشه . وليس في هذه المقالة حجة للمجسمة وجواب ذلك من وجهين:

الأول: أن بعض علماء السلف كانوا يطلقون العلو و الفوقية عن الله ردا على الجهمية الذين يصرحون أن الله في كل مكان مع خلقه ولا يريدون بذلك علو الجهة و المكان. وليعلم أن حرف “فوق” كما يستعمل في لغة العرب للمكان فإنه يُستعمل أيضا للمكانة والقهر كما قال الله تعالى ” وهو القاهر فوق عباده” – الأنعام 61 – وقوله تعالى: ” وإنا فوقهم قاهرون”. و مثله حرف “على” فإنه كما يفيد المكان فهو يفيد أيضا علو القدر و المكانة. وأما قوله “بائن من خلقه” أي لا مناسبة بين الله و مخلوقاته، وهذا هو المعنى الذي أراده ابن خزيمة.

الثاني: أن الرواية الثانية التي نقلها الحاكم تفسر الرواية الأولى و أن الذي ينفي الاستواء و لا يُقر به فهو كافر ولا يلزم من ذلك موافقة مذهب المجسمة الذين يفهمون من الاستواء: الجلوس و الاستقرار و العلو الحسي، بل استواء الله على العرش بلا كيف و لا تشبيه. و لما كان العرش فوق سبع سماوات قال : “الله تعالى على عرشه استوى فوق سبع سماواته” أي أن الله فعل فعلا في العرش الذي هو فوق السماوات السبع سماه استواء.

4- الفتنة التي حصلت بينه وبين تلاميذه أبي علي الثقفي و أبي بكر الصبغي وأبي بكر بن أبي عثمان وأبي محمد يحيى بن منصور

قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبدالله الحاكم النيسابوري في كتابه تاريخ نيسابور: “سمعت أبا سعد عبد الرحمن بن أحمد المقرئ ، سمعت ابن خزيمة يقول : القرآن كلام الله ووحيه وتنزيله غير مخلوق ، ومن قال : شيء منه مخلوق . أو يقول : إن القرآن محدث ، فهو جهمي ، ومن نظر في كتبي بان له أن الكلابية لعنهم الله كذبة فيما يحكون عني بما هو خلاف أصلي وديانتي ، قد عرف أهل الشرق والغرب أنه لم يصنف أحد في التوحيد والقدر وأصول العلم مثل تصنيفي ، وقد صح عندي أن هؤلاء الثقفي ، والصبغي ، ويحيى بن منصور كذبة، قد كذبوا علي في حياتي ، فمحرم على كل مقتبس علم أن يقبل منهم شيئا يحكونه عني ، وابن أبي عثمان أكذبهم عندي ، وأقولهم علي ما لم أقله” انتهـى
ونقله عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء عند ترجمة ابن خزيمة. و أبو إسماعيل الهروي في “ذم الكلام وأهله” بالسند نفسه.
وزاد أبو إسماعيل الهروي فقال في “ذم الكلام “، و : ” أخبرنا أحمد بن محمد بن العباس بن إسماعيل المقري، أنبأنا محمد بن عبدالله البَيِّع -يعني الحاكم النيسابوري- قال سمعت أبا سعيد عبد الرحمن بن محمد المقرئ، قال سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول : ” من نظر في كتبي المصنفة في العلم ظهر له وبان أن الكلابية لعنهم الله كَذَبَةٌ فيما يحكون عني مما هو خلاف أصلي وديانتي، قد عرف أهل الشرق والغرب أنه لم يصنف أحد في التوحيد وفي أصول العلم مثل تصنيفي، فالحاكي عني خلاف ما في كتبي المصنفة التي حملت إلى الآفاق شرقاً وغرباً كَذَّبَهُ فِسْقُهُ”. انتهى

و الجواب على هذه الشبهة من أربع وجوه:
أ- الوجه الأول: هذا الأثر يرويه أبو سعد عبد الرحمن بن أحمد المقرئ. وهو عبد الرحمن بن أحمد بن حمدويه، مجهول الحال في رواية الحديث. ترجمه الحافظ الذهبي في وفيات الإسلام ” ضمن وفيات سنة 396 هجري فقال : “عبد الرحمن بن أحمد بن حمدويه أبو سعيد النيسابوري المقرئ المؤذن. كان خيرا مجتهدا من أولاد المحدثين”.انتهى
فلا تثبت هذه المقالات عن ابن خزيمة على الوجه القطعي.

ب- الوجه الثاني: ابن خزيمة كان لا يحسن الأصول و علم الكلام و علم العقائد ومقالات الفرق ، فقد ذكر البيهقي في كتاب “الأسماء والصفات” صحيفة 258- طبعة الأزهرية بتحقيق الكوثري – أن ابن خزيمة تاب عن آرائه حيث قال ما نصه:”واعترف – أي ابن خزيمة – فيما حكيناه عنه بأنه إنما أتى ذلك من حيث إنه لم يحسن الكلام.” انتهى
و قال في الصحيفة 259 ما نصه:”وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، قال : سمعت أبا الحسن علي بن أحمد الزاهد البوشنجي يقول : دخلت على عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي بالري فأخبرته بما جرى بنيسابور بين أبي بكر بن خزيمة وبين أصحابه ، فقال : ما لأبي بكر والكلام ؟ إنما الأولى بنا وبه أن لا نتكلم فيما لم نتعلمه . فخرجت من عنده حتى دخلت على أبي العباس القلانسي فقال : كان بعض القدرية من المتكلمين وقع إلى محمد بن إسحاق فوقع لكلامه عنده قبول. ثم خرجت إلى بغداد فلم أدع بها فقيها ولا متكلما إلا عرضت عليه تلك المسائل ، فما منهم أحد إلا وهو يتابع أبا العباس القلانسي على مقالته ، ويغتم لأبي بكر محمد بن إسحاق فيما أظهره. انتهى

وقال الذهبي: “ان الحاكم أبا سعيد لما توفي أظهر ابن خزيمة الشماتة بوفاته ، هو وجماعة من أصحابه جهلا منهم”. انتهى
فلا عبرة بما يقوله عن الكلابية و عن الثقفي و الصبغي و غيرهم.

ج- الوجه الثالث: أن هذا الكلام قاله ابن خزيمة بسبب كذب و بهتان بعض المعتزلة للتفريق بين ابن خزيمة و تلاميذه. قال الذهبي في السير: ” قال الحاكم : حدثني أبو بكر محمد بن حمدون وجماعة من مشايخنا -إلا أن ابن حمدون كان من أعرفهم بهذه الواقعة- ، قال : لما بلغ أبو بكر بن خزيمة من السن والرئاسة والتفرد بهما ما بلغ ، كان له أصحاب صاروا في حياته أنجم الدنيا ، مثل أبي علي محمد بن عبد الوهاب الثقفي ، وهو أول من حمل علوم الشافعي ودقائق ابن سريج إلى خراسان ، ومثل أبي بكر أحمد بن إسحاق – يعني الصبغي – خليفة ابن خزيمة في الفتوى ، وأحسن الجماعة تصنيفا ، وأحسنهم سياسة في مجالس السلاطين ، وأبي بكر بن أبي عثمان ، وهو آدبهم ، وأكثرهم جمعا للعلوم ، وأكثرهم رحلة ، وشيخ المطوعة والمجاهدين ، وأبي محمد يحيى بن منصور ، وكان من أكابر البيوتات ، وأعرفهم بمذهب ابن خزيمة وأصلحهم للقضاء. قال : فلما ورد منصور بن يحيى الطوسي نيسابور ، وكان يكثر الاختلاف إلى ابن خزيمة للسماع منه ، وهو معتزلي ، وعاين ما عاين من الأربعة الذين سميناهم، حسدهم ، واجتمع مع أبي عبد الرحمن الواعظ القدري بباب معمر في أمورهم غير مرة فقالا : هذا إمام لا يسرع في الكلام ، وينهى أصحابه عن التنازع في الكلام وتعليمه ، وقد نبغ له أصحاب يخالفونه وهو لا يدري ، فإنهم على مذهب الكلابية فاستحكم طمعهما في إيقاع الوحشة بين هؤلاء الأئمة. انتهى
ثم قال: ” فحدثني أبو بكر أحمد بن يحيى المتكلم قال : لما انصرفنا من الضيافة اجتمعنا عند بعض أهل العلم ، وجرى ذكر كلام الله : أقديم هو لم يزل ، أو نثبت عند إخباره تعالى أنه متكلم به ؟ فوقع بيننا في ذلك خوض ، قال جماعة منا : كلام البارئ قديم لم يزل. وقال جماعة : كلامه قديم غير أنه لا يثبت إلا بإخباره وبكلامه . فبكرت إلى أبي علي الثقفي ، وأخبرته بما جرى ، فقال : من أنكر أنه لم يزل فقد اعتقد أنه محدث . وانتشرت هذه المسألة في البلد ، وذهب منصور الطوسي في جماعة إلى ابن خزيمة ، وأخبروه بذلك حتى قال منصور : ألم أقل للشيخ : إن هؤلاء يعتقدون مذهب الكلابية ؟ وهذا مذهبهم . قال : فجمع ابن خزيمة أصحابه ، وقال : ألم أنهكم غير مرة عن الخوض في الكلام ؟ ولم يزدهم على هذا ذلك اليوم. قال الحاكم : وحدثني عبد الله بن إسحاق الأنماطي المتكلم قال : لم يزل الطوسي بأبي بكر بن خزيمة حتى جرأه على أصحابه ، وكان أبو بكر بن إسحاق وأبو بكر بن أبي عثمان يردان على أبي بكر ما يمليه ، ويحضران مجلس أبي علي الثقفي ، فيقرءون ذلك على الملأ ، حتى استحكمت الوحشة.
سمعت أبا سعد عبد الرحمن بن أحمد المقرئ ، سمعت ابن خزيمة يقول : القرآن كلام الله ووحيه وتنزيله غير مخلوق ، ومن قال : شيء منه مخلوق . أو يقول : إن القرآن محدث ، فهو جهمي ، ومن نظر في كتبي ، بان له أن الكلابية لعنهم الله كذبة فيما يحكون عني بما هو خلاف أصلي وديانتي ، قد عرف أهل الشرق والغرب أنه لم يصنف أحد في التوحيد والقدر وأصول العلم مثل تصنيفي ، وقد صح عندي أن هؤلاء -الثقفي ، والصبغي ، ويحيى بن منصور – كذبة ، قد كذبوا علي في حياتي ، فمحرم على كل مقتبس علم أن يقبل منهم شيئا يحكونه عني ، وابن أبي عثمان أكذبهم عندي ، وأقولهم علي ما لم أقله.
قلت – أي الذهبي – : ما هؤلاء بكذبة ; بل أئمة أثبات ، وإنما الشيخ تكلم على حسب ما نقل له عنهم . فقبح الله من ينقل البهتان ، ومن يمشي بالنميمة”. انتهى

فالذهبي يبين هنا أن ابن خزيمة قال ما قال بسبب تلك الدسيسة والوشاية التي قام بها بعض المعتزلة الملبِّسين الذين يتدثَّرون بثوب الصلاح و يتستَّرون بقناع النصح و قد جزم الذهبي بأن الصبغي و الثقفي من أئمة أهل السنة الأثبات.

د- الوجه الرابع: ابن خزيمة تراجع عن مقالاته في مسألة الكلام بعد تلك الفتنة. فقد قال الذهبي في السير: ” قال الحاكم : سمعت أبا بكر أحمد بن إسحاق يقول : لما وقع من أمرنا ما وقع ، وجد أبو عبد الرحمن ومنصور الطوسي الفرصة في تقرير مذهبهم ، واغتنم أبو القاسم ، وأبو بكر بن علي ، والبردعي السعي في فساد الحال ، انتصب أبو عمرو الحيري للتوسط فيما بين الجماعة ، وقرر لأبي بكر بن خزيمة اعترافنا له بالتقدم ، وبين له غرض المخالفين في فساد الحال ، إلى أن وافقه على أن نجتمع عنده ، فدخلت أنا ، وأبو علي ، وأبو بكر بن أبي عثمان ، فقال له أبو علي الثقفي : ما الذي أنكرت أيها الأستاذ من مذاهبنا حتى نرجع عنه ؟ قال : ميلكم إلى مذهب الكلابية ، فقد كان أحمد بن حنبل من أشد الناس على عبد الله بن سعيد بن كلاب وعلى أصحابه مثل الحارث وغيره. حتى طال الخطاب بينه وبين أبي علي في هذا الباب ، فقلت : قد جمعت أنا أصول مذاهبنا في طبق ، فأخرجت إليه الطبق ، فأخذه وما زال يتأمله وينظر فيه ، ثم قال : لست أرى هاهنا شيئا لا أقول به . فسألته أن يكتب عليه خطه أن ذلك مذهبه ، فكتب آخر تلك الأحرف ، فقلت لأبي عمرو الحيري : احتفظ أنت بهذا الخط حتى ينقطع الكلام ، ولا يتهم واحد منا بالزيادة فيه . ثم تفرقنا ، فما كان بأسرع من أن قصده أبو فلان وفلان وقالا : إن الأستاذ لم يتأمل ما كتب في ذلك الخط ، وقد غدروا بك وغيروا صورة الحال فقبل منهم ، فبعث إلى أبي عمرو الحيري لاسترجاع خطه منه ، فامتنع عليه أبو عمرو ، ولم يرده حتى مات ابن خزيمة. وقد أوصيت أن يدفن معي ، فأحاجه بين يدي الله -تعالى- فيه وهو : القرآن كلام الله تعالى ، وصفة من صفات ذاته ، ليس شيء من كلامه مخلوقا ، ولا مفعولا ، ولا محدثا ، فمن زعم أن شيئا منه مخلوق أو محدث ، أو زعم أن الكلام من صفة الفعل ، فهو جهمي ضال مبتدع ، وأقول : لم يزل الله متكلما ، والكلام له صفة ذات ، ومن زعم أن الله لم يتكلم إلا مرة ، ولم يتكلم إلا ما تكلم به ، ثم انقضى كلامه ، كفر بالله “. انتهى
وقال: “ويكلم عباده بلا كيف”. انتهى

وقوله: “ومن زعم أن الله لم يتكلم إلا مرة ، ولم يتكلم إلا ما تكلم به ، ثم انقضى كلامه ، كفر بالله”. انتهى، فيه اكفار للمجسمة بلا مثناوية.

5- بيان ما ذكره الهروي من استتابة الصبغي والثقفي على قبر ابن خزيمة

قال المجسم أبو إسماعيل الهروي في كتابه “ذم الكلام وأهله” : “أخبرني إسماعيل بن عبد الرحمن – أي الصابوني – يقول : استتيب الصبغي والثقفي على قبر ابن خزيمة”. انتهى

وهذا الأثر تفرد بذكره أبو اسماعيل الهروي وهو رأس من رؤوس المجسمة و زنديق من زنادقة المتصوفة. فقد قال الإمام تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى جزء 4 صحيفة 272 ما نصه:” وكان الأنصاري المشار إليه رجلاً كثير العبادة محدثًاً إلا أنه يتظاهر بالتجسيم والتشبيه وينال من أهل السنة “. انتهى
وقال: ” ومن مصنفاته التي فوقت نحوه سهام أهل الإسلام كتاب ذم الكلام وكتاب الفاروق في الصفات وكتاب الأربعين وهذه الكتب الثلاثة أبان فيها عن اعتقاد التشبيه وأفصح.وله قصيدة في الاعتقاد تنبىء عن العظائم في هذا المعنى”. انتهى

وقد رماه شيخ المجسمة ابن تيمية بالاتحاد. فقد نقل السبكي في طبقات الشافعية ما نصه :” وله أيضا كتاب منازل السائرين في التصوف. وكان الشيخ تقي الدين أبو العباس ابن تيمية مع ميله إليه يضع من هذا الكتاب أعني منازل السائرين. قال شيخنا الذهبي وكان يرمي أبا إسماعيل بالعظائم بسبب هذا الكتاب ويقول إنه مشتمل على الاتحاد”. انتهى
ولا شك أن هذا الكلام من جملة افتراءات هذا الزنديق فإنه كان يروج للأكاذيب عن الإمام الأشعري وهو جاهل به، فقد قال الذهبي في السير عند ترجمة أبي اسماعيل الهروي نقلا عن محمد بن طاهر أنه قال: “سمعت خادمه أحمد بن أميرجه يقول : حضرت مع الشيخ للسلام على الوزير نظام الملك ، وكان أصحابنا كلفوه الخروج إليه ، وذلك بعد المحنة ورجوعه إلى وطنه من بلخ قال : فلما دخل عليه أكرمه وبجله ، وكان هناك أئمة من الفريقين ، فاتفقوا على أن يسألوه بين يدي الوزير ، فقال العلوي الدبوسي : يأذن الشيخ الإمام أن أسأل ؟ قال : سل . قال : لم تلعن أبا الحسن الأشعري ؟ فسكت الشيخ ، وأطرق الوزير ، فلما كان بعد ساعة ; قال الوزير : أجبه . فقال : لا أعرف أبا الحسن ، وإنما ألعن من لم يعتقد أن الله في السماء ، وأن القرآن في المصحف ، ويقول : إن النبي – صلى الله عليه وسلم – اليوم ليس بنبي “. انتهى

والصبغي الذي يزعم الهروي أنه استتيب عند قبر ابن خزيمة قال عنه الذهبي في السير: ” أبو بكر الصبغي هذا عالم وقته ، وكبير الشافعية بنيسابور ، حمل عنه الحاكم علما كثيرا”. انتهى
وقال: “الإمام العلامة المفتي المحدث ، شيخ الإسلام أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب بن يزيد ، النيسابوري الشافعي المعروف بالصبغي”. انتهى
وقال في العلو: “كَانَ هَذَا الصبغي عديم النظير فِي الْفِقْه بَصيرًا بِالْحَدِيثِ كَبِير الشَّأْن”. انتهى
و أما الثقفي فهو أبو علي محمد بن عبد الوهاب الثقفي. قال عنه الذهبي في السير: “هو أول من حمل علوم الشافعي ودقائق ابن سريج إلى خراسان”. انتهى