شبهة ترضي إمام الحرمين الجويني على أبي اسماعيل الهروي.
روى ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة ما نصه قال الرُّهاوي: وسمعت أبا عبد الله سفيان بن أبي الفضل الخرقي
السُّفْيَانِيَّ ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الحَدِيْثِ وَالفَضْلِ وَالدِّيْنِ، وَكَانَ سُفْيَانِيَّ المَذْهَبِ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ الحَافِظَ أَبَا مَسْعُوْدٍ كُوْتَاه يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا الوَقْتِ عَبْدَ الأوَّلِ بنَ عِيْسَى يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى الجُوَيْنِيِّ – يَعْنِي أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدِ الله بنَ يُوْسُفَ الفَقِيْهِ – فَسَأَلَنِي عَنْ شَيْخِ الإِسْلَامِ؟ فَقُلْتُ: أَنَا خَادِمُهُ، فَقَالَ: رضي الله عنه”. انتهى
وهذه الشبهة يُردّ عليها من وجوه:
أ- هذا الأثر فيه:
▪︎ أبو عبد الله سفيان بن أبي الفضل الخرقي السُّفْيَانِيَّ: رجل مجهول، يتمذهب بمذهب سفيان الثوري، لكن قال عبدالرحمن بن سليمان العثيمين محقق كتاب الذيل على طبقات الحنابلة : لا أَبْعُدُ أَنْ يَكُوْنَ أَبَا عَبْدِ اللهِ سُفْيَانَ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ محمَّدِ بنِ عليِّ بنِ عُمَرَ الخِرَقِيُّ الأَصْفَهَانِيُّ المَذْكُورُ في شُيُوخِ أَبي سَعْدِ السَّمْعَانِي. …قَالَ: «شَاب مِنْ بَيْتِ الحَدِيْثِ وَالْعِلْمِ، حَرِيْصٌ عَلَى طَلَبِ العِلْمَ ، سَمِعَ أَبَاهُ أَبَا الْفَضْلِ مِنْ أَبِي طَاهِرٍ… “. انتهى
وعلى تقدير أنه هو، فهو مجهول الحال في الرواية أيضا.
▪︎ الحَافِظَ أَبَو مَسْعُوْدٍ كُوْتَاه: قال السمعاني : كان شيخه إسماعيل الحافظ – أي قوام السنة – هجره ، ومنعه من حضور مجلسه لمسألة جرت في النزول ، وكان كوتاه يقول : النزول بالذات ، فأنكر إسماعيل هذا ، وأمره بالرجوع عنه ، فما فعل”. انتهى
قالقصة مروية من طريق أحد المجاهيل، وبعض المتلبسين بشبهة التجسيم.
ب- متن الرواية فيه اختلاف بين النسخ: ففي نسخ الذيل على طبقات الحنابلة، تذكر الرواية أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدِ الله بنَ يُوْسُفَ الجويني الفَقِيْهِ وليس عبد الملك الجويني.
قال عبدالرحمن بن سليمان العثيمين محقق كتاب الذيل على طبقات الحنابلة : ” هكَذَا فِي النُّسُخِ المُعْتَمَدَةِ كُلِّهَا وَفِي (ط) بِطَبْعَتَيْهِ، وَلَمْ يَتَنَبِّه لَهَا المُحَقِّقُونَ، فَهُوَ سَهْو مِنْ المُؤلِّفِ رَحِمَهُ اللهُ . لأَنَّ هَذَا لَا يُمكِنُ بِحَالٍ ؛ لأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بنَ يُوْسُفَ الجُوَيْنِيَّ الفَقَيْة (ت سَنَةَ : 438 هـ) وَوُلِدَ عَبْدُ الأَوَّلِ سَنَةَ (458 هـ)؟! وفِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الأَوَّلِ فِي السِّيرِ (403/20) ذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ شَيْخِ الإِسْلَامِ إِسْمَاعَيْلَ الْأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ مِنْ مُرِيْدِيهِ”. انتهى
وأما فِي نسخ تَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ وَتَارِيخِ الْإِسْلَامِ وسير أعلام النبلاء وَغَيْرِها فالخَبَرَ مذكور كما يلي : قالَ أَبو الوَقْتِ عَبْدُ الأَوَّلِ السِّجْزِيُّ : دَخَلْتُ نَيْسَابُوْرَ ، وَحَضَرْتُ عِنْدَ الأُسْتَاذِ أَبِي المَعَالِي الجُوَيْنِي ، فَقَالَ : مَنْ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ : خَادِمُ الشَّيْخِ أَبِيْ إِسْمَاعِيْلِ الأَنْصَارِيِّ … » . انتهى
وهذا يدلّك على تصرف النساخ في تصحيف الكتب وتغيير الأسماء.
وأما قول الذهبي بعد ذلك في السير: ” قلت : “اسمع إلى عقل هذا الإمام ، ودع سب الطغام إن هم إلا كالأنعام”. انتهى
و قوله أيضا في تذكرة الحفاظ: “اسمع ترضي هذا الإمام عن هذا الإمام، وإياك وسماع سب هذا الإمام من الانعام”. انتهى
فكلام الذهبي يصدق في شيخه ابن تيمية الذي كان يضع على أبي اسماعيل بسبب كتابه منازل السائرين.
ج- ترضي إمام الحرمين على أبي اسماعيل الهروي، إن صح عنه، فهو محمول على عدم اطلاعه على مقالاته الشنيعة في العقيدة و في ذمه للأشاعرة، فمدحه له إنما كان بسبب ما اشتهر به من تصوف و زهد و تعبد. وهذا حال أغلب العلماء الذين أثنوا عليه، مثل أبي بكر معين الدين محمد بن عبد الغني بن أبي بكر بن شجاع، المعروف بابن نقطة الحنبلي البغدادي المتوفى سنة 629 هـجري، حيث قال في التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد، نقلا عن مؤتمن بن أحمد الساجي أنه قال: “عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي «كان آية في لسان التذكير والتصوف من سلاطين العلماء» . انتهى



