كتاب الرد على الجهمية المنسوب لابن أبي حاتم الرازي

كتاب الرد على الجهمية المنسوب لابن أبي حاتم الرازي

يُعدّ كتاب الرد على الجهمية المنسوب إلى الإمام ابن أبي حاتم الرازي من جملة المصنفات المفقودة التي يكثر بعض المنتسبين إلى التجسيم ومن شايعهم من الاستشهاد بها لإثبات مرويات لا تصح عن السلف الصالح.

ومن أبرز المرويات التي يحتج بها هؤلاء، ما نقله الذهبي في كتاب العلو، حيث قال: «قَالَ ابنُ أبي حاتم: حدَّثَنا أبو هارون محمد بن خالد، حدَّثنا يحيى بن المغيرة، سمعتُ جريرَ بن عبد الحميد يقول: كلام الجهمية أوّله عسل وآخره سمّ، وإنما يحاولون أن يقولوا: ليس في السماء إله». انتهى.

غير أنّ هذا النقل لا يثبت لسببين رئيسيين:

– انقطاع السند: فالإسناد الذي يورده الذهبي من طريق ابن أبي حاتم لا يَصحّ، والانقطاع في أبواب العقيدة يسقط الاحتجاج به من أصله.

– عدم مطابقة النص لما تقرّر عن الجهمية: إذ إنّ الجهمية ـ كما نصّ الذهبي في مواضع أخرى من كتبه ـ يذهبون إلى أنّ الله تعالى في السماء وفي الأرض وفي كل مكان، لا إلى نفي وجود إله في السماء تحديدًا، مما يثير إشكالاً إضافيًا حول دقة نسبة هذا النص أو صحته.

راجع الرابط التالي:

https://www.facebook.com/share/p/1BzWd5JUmo/

كما نقل الذهبي أيضاً : «قال عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي الحافظ في كتاب الرد على الجهمية: حدَّثنا أبي، حدَّثنا سليمان بن حرب، سمعتُ حمادَ بن زيد يقول: إنما يدورون على أن يقولوا: ليس في السماء إله، يعني الجهمية». انتهى.

وهذا النقل كذلك سنده منقطع، مما يسقط اعتباره في مباحث العقيدة، خصوصًا مع غياب المخطوط الأصلي للكتاب. و بالتالي

فإنّ الاعتماد على كتاب مفقود لم تثبت نسبته، والاستشهاد بنقول ذات أسانيد منقطعة، لا ينهض لإثبات عقائد أو نسبتها إلى السلف. ومباحث الاعتقاد لا تُبنى على الظنون، ولا على مرويات منقطعة، وعليه، فمثل هذه الروايات لا حُجّة فيها، ولا يُلتفت إليها في مقام الاحتجاج العلمي.

وراجع الرابط التالي عن أثر حماد بن زيد:

https://www.facebook.com/share/p/1Hc3sypCoR/

والرابط التالي:

https://www.facebook.com/share/p/1GNkwvuHw6/

كلام أبي معمر القطيعي عن الجهمية

قال الذهبي في السير عند ترجمة أبي معمر القطيعي الهذلي ما نصه: ” عن أبي معمر القطيعي قال : آخر كلام الجهمية أنه ليس في السماء إله .

قلت – أي الذهبي – : بل قولهم : إنه عز وجل ، في السماء وفي الأرض ، لا امتياز للسماء . وقول عموم أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – : إن الله في السماء ، يطلقون ذلك وفق ما جاءت النصوص بإطلاقه ، ولا يخوضون في تأويلات المتكلمين ، مع جزم الكل بأنه – تعالى – ليس كمثله شيء . انتهى

من خلال هذا النص يفهم أن ما يُنقل عن الجهمية من نفي أنه ليس في السماء إله، نقل باطل، والصواب أنهم يعتقدون أن الله حال في السماء وفي الأرض، أي أن السماوات و الأراضون ظرف لله عز ، ومكان له، والعياذ بالله.

فأخذ المجسمة نصف عقيدتهم فقال بعضهم أنه في السماء دون الأرض، وقال بعضهم أنه فوق السماء بحد وجهة.

وقد بين الحافظ الذهبي بعد ذلك أن قول المسلمين: الله في السماء هو متابعة لألفاظ النصوص المنقولة لا غير، أي هم يطلقون مجرد اللفظ من غير الخوض في تفسيره كأن يقال في السماء يعني فوق العرش بحد، كما تقول المجسمة، ومن غير تأويله بمعنى علو القدر كقول متكلمي أهل السنة، وهذا وفق مذهب التفويض الذي يرجحه الذهبي.

حماد بن زيد

الجزء الثاني: كذب المجسمة عليه

1-كذب المجسمة على حماد بن زيد في حديث النزول

احتج المجسمة لترويج عقائدهم الوثنية بٱثار باطلة نسبوها لأئمة السلف مثل حماد بن زيد، حيث زعموا أنه يثبت لله المكان، واستدلوا لذلك بما قاله الخلال في كتاب السنة:” أخبرني جعفر بن محمد الفريابي حدثنا أحمد بن محمد المقدمي حدثنا سلميان بن حرب قال : سأل بشر بن السري حماد بن زيد فقال : يا أبا إسماعيل الحديث الذي جاء “ينزل الله إلى السماء الدنيا”: يتحول من مكان إلى مكان ؟ فسكت حماد بن زيد ثم قال: “هو في مكانه يقرب من خلقه كيف يشاء” انتهى

وهذا الأثر لا يصح عنه، لأن كتاب السنة للخلال في سنده انقطاع

راجع الرابط التالي:

https://m.facebook.com/…/a.3806839…/1121084847970260/…

وحتى ابن تيمية فهو ينقل عن الخلال من طريق هذه النسخة المحرفة.

وهذا الأثر أيضا رواه ابن بطةَ في الإبانة فقال: “حدثني أبو القاسم حفص بن عمر الأردبيلي، حدثنا أبو حاتم الرازي , حدثنا سليمان بن حرب، قال : سأل بشر بن السري، حماد بن زيد فقال: يا أبا إسماعيل، الحديث الذي جاء “ينزل الله إلى سماء الدنيا ” أيتحول من مكان إلى مكان؟ فسكت حماد بن زيد , ثم قال: هو في مكانه يقرب من خلقه كيف شاء”. انتهى

وابن بطة محدث ذمه الكثير من العلماء

https://m.facebook.com/…/a.3806839…/1427920393953369/…

واتهمه بعضهم الٱخر بالوضع

بل انه كان يضع الحديث على حفص الاردبيلي، كما ذكر ذلك الخطيب البغدادي وابن عساكر في تاريخ دمشق.

كما رواه العقيلي في الضعفاء قال: “حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: سَأَلَ بِشْرُ بْنُ السُّرَى حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْمَاعِيلَ الْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ «أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَنْزِلُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا يَتَجَوَّلُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ» فَسَكَتَ حَمَّادٌ ثُمَّ قَالَ: هُوَ فِي مَكَانِهِ يَقْرُبُ مِنْ خَلْقِهِ كَيْفَ شَاءَ”. انتهى

وهذا أثر لا يعتد به أيضا:

– تفرد به سليمان بن حرب عن حماد بن زيد، وهو وإن كان ثقة، فإن الخطيب قال عنه: “كان يروي على المعنى فيغير ألفاظه”. انتهى كما في تهذيب التهذيب

ولأجل تفرده سليمان بن حرب بهذا الأثر عن حماد بن زيد، ذكره العقيلي في الضعفاء لأن منهجه أن الحديث إذا لم يُتابع راويه عليه، فإنه يتوقف فيه أو يكون منكراً، وهو منهج أحمد بن حنبل وأئمة الحنابلة”

وهو مذهب غيرهم من المحدثين مثل الخليلي الذي كان يعتبر أن ما تفرد به الثقة: “يتوقف فيه، ولا يحتج به”.

واعتبر أبو عبد الله الحاكم ما تفرد به الثقة من قبيل الشاذ، فقال: “فأما الشاذ فإنه الحديث يتفرد به ثقة من الثقات وليس للحديث أصل متابع لذلك الثقة”.

ثم إن طائفةٌ من المُحدِّثين والفُقهاء والأُصوليين من الشَّافعية و المالكية وغيرهم، مَنعت الرواية بالمعنى مطلقًا وهو الصَّحيحُ من مذهب مالكٍ كما قال القرطبي. فان كان الحال هكذا في الفروع فكيف بالأصول؟ فلو قيل أن البخاري قد أخرج لسليمان بن حرب في صحيحه فجوابه أن سليمان بن حرب ثقة و ما رواه من طريقه البخاري تابعه عليه غيره من الثقات.

– أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقَدَّمِيُّ: وهو شيخ ابي عوانة صاحب المستخرج على صحيح مسلم. قال عنه

ابن أبي حاتم: “صدوق حسن الحديث” والصدوق دون مرتبة الاتقان فهو ليس ثبتا في الحديث، وقد تقرر أن العقائد الدينية لا تثبت الا بالأحاديث المشهورة المجمع على توثيق رواتها.

ورواه أيضا ابن رجب في فتح الباري بلا سند، فقال ما نصه:” والفرقة الثالثة : أطلقت النزول كما ورد، ولم تتعد ما ورد، ونفت الكيفية عنه، وعلموا أن نزول الله تعالى ليس كنزول المخلوق وهذا قول أئمة السلف: حماد بن زيد وأحمد فإن حماد بن زيد سئل عن النزول فقال: هو في مكانه يقرب من خلقه كيف يشاء”. انتهى

وأول كلام ابن رجب يناقض ٱخره، حيث ذكر أن أئمة السلف ينفون كيفية النزول ثم أثبت للنزول كيفا.

بل ثبت عن ابن رجب في موضع ٱخر أنه فسر كلام حماد بن زيد فقال: “ومراده أن نزوله ليس هو انتقال من مكان إلى مكان كنزول المخلوقين”. انتهى

راجع الصورة المرفقة.

وأما أئمة التنزيه فقد نقلوا عن حماد بن زيد خلاف ذلك كله، فقد نقل البيهقي في الأسماء والصفات صحيفة 572 ، باب “هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله” عن الحافظ الثقة حماد بن زيد رحمه الله أنه فسر حديث “ينزل الله تعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا” بقوله : “نزوله إقباله”. انتهى

فلو قيل أن أثر البيهقي منقطع، لأن حماد بن زيد توفي سنة 179هـجري، وأبي منصور الحمشادي ولد سنة 316هـجري، فجوابه أن يقال أن ما رواه البيهقي عن حماد هو الموافق لعقائد السلف في نفي كيفية النزول و أنه لا يشبه نزول المخلوقين من مكان إلى مكان، وتمام عبارة البيهقي كما يلي: “وقرأت بخط الأستاذ أبي عثمان رحمه الله في كتاب الدعوات عقيب حديث النزول : قال الأستاذ أبو منصور يعني الحمشاذي على إثر الخبر : وقد اختلف العلماء في قوله : « ينزل الله » فسئل أبو حنيفة عنه فقال : ينزل بلا كيف . وقال حماد بن زيد : نزوله إقباله . وقال بعضهم : ينزل نزولا يليق بالربوبية بلا كيف ، من غير أن يكون نزوله مثل نزول الخلق بالتجلي والتملي ، لأنه جل جلاله منزه عن أن تكون صفاته مثل صفات الخلق ، كما كان منزها عن أن تكون ذاته مثل ذات الغير ، فمجيئه وإتيانه ونزوله على حسب ما يليق بصفاته من غير تشبيه وكيفية”. انتهى

و قال محمد زاهد الكوثري في تعليقه على السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل تأليف الإمام المجتهد المجمع على امامته تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي، ما نصه: ” قاتل الله الجهل ما أفتكه، فمن الذي يجهل استمرار الثلث الاخير من الليل في البلاد باختلاف المطالع حتى يَحْمِل النزول الى السماء الدنيا على النزول الحسي وقد حمل حماد بن زيد النزول في الحديث على معنى الاقبال”. انتهى

وقال الذهبي في تاريخ الاسلام: “قال: قال الحميدي: كان بشر بن السري جهميا، لا يحل أن يكتب حديثه.

قلت: قد صح رجوعه عن التجهم.

حدثنا جعفر الفريابي، ثنا أحمد بن محمد المقدمي، ثنا سليمان بن حرب قال: سأل بشر بن السري حماد بن زيد فقال: الحديث الذي جاء أن الله ينزل إلى سماء الدنيا يتجول من مكان إلى مكان فسكت حماد ثم قال: هو في مكانه يقرب من خلقه كيف شاء.

قلت: كان من حماد أن يزجر السائل ويقول: الله ورسوله أعلم، فإن الخوض في هذا لا ينبغي، بل تمر الأحاديث كما جاءت ولا يعترض عليها”. انتهى

وهذا استدراك من الذهبي على حماد بن زيد على تقدير صحة الرواية.

2-كذب المجسمة على حماد بن زيد في دعوى قوله ان الله بذاته فوق العرش

نسب المجسم أبو نصر السجزي في كتابه الابانة، عقيدة باطلة نسبها لحماد بن زيد فقال: ” فأئمتنا كسفيان الثوري ومالك وسفيان بن عيينة وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وعبد الله بن المبارك وفضيل بن عياض واحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي متفقون على أن الله سبحانه بذاتــــــه فوق العرش. انتهى

وهو محض كذب على حماد نسبه هذا السجزي بلا سند اليه، في المقابل أسند البيهقي، في السنن الكبرى إلى أبي داود أنه قال: “كان سفيان الثوري وشعبة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وشريك وأبو عوانة لا يحدون ولا يشبهون ولا يمثلون ، يروون الحديث لا يقولون كيف، وإذا سئلوا أجابوا بالأثر، قال أبو داود: وهو قولنا”.انتهـى

والبيهقي أعلى مرتبة في الحفظ والحديث من السجزي.

3- كذب المجسمة على حماد بن زيد في دعوى نسبة القَدم والأصابع لله

أخرج ابن شاهين في شرح مذاهب أهل السنة، ما نصه: “حدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني، حدثني أبي، عن سليمان بن حرب، قال: قال حماد بن زيد: “مثل الجهمية مثل رجل قيل له: أفي دارك نخلة؟ قال: نعم. قيل: فلها خوص؟ قال: لا. قيل: فلها سعف. قال: لا. قيل: فلها كرب؟ قال: لا. قيل: فلها جذع؟ قال: لا. قيل: فلها أصل؟ قال: لا. قيل: فلا نخلة في دارك. هؤلاء الجهمية، قيل لهم: لكم رب؟ قالوا: نعم. قيل: يتكلم؟ قالوا: لا. قيل: فله يد؟ قالوا: لا. قيل: فله قدم؟ قالوا: لا. قيل: فله إصبع؟ قالوا: لا. قيل: فيرضى ويغضب؟ قالوا: لا. قيل: فلا رب لكم”. انتهى

ومثل هذا الأثر لا يحتج به في العقائد، لسببين:

-أولا: في سنده أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني، وهو مختلف في توثيقه، بل كذبه والده أبو داود، وهو أعلم بحاله من غيره.

راجع الرابط التالي:

https://m.facebook.com/…/a.3806839…/1376376222441120/…

– ثانيا هذا مما تفرد به سليمان بن حرب عن حماد بن زيد، وهو وإن كان ثقة، فإن الخطيب قال عنه: “كان يروي على المعنى فيغير ألفاظه”. انتهى كما في تهذيب التهذيب. وقد توقف الكثير من المحدثين في المرويات التي تفرد بها الثقات كالخليلي وغيره.

————————————————————

رابط الجزء الأول: https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=743578081128077&id=100064276766544&mibextid=Nif5oz