ابن خزيمة المتوفى سنة 311 هجري
كان محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري يُلقب بـ”إمام الأئمة” لما عُرف عنه من التبحر في علم الحديث. غير أنه تكلّم في مسائل العقيدة قبل أن يُحكم أدواتها، فأطلق عبارات في أصول الدين تعقبه فيها عدد من العلماء، ومنهم الذهبي.
راجع الرابط:
https://www.facebook.com/share/p/1GGDsmdPaz/
وقد لامه بعضُ المحدثين على الخوض في ما لا يحسنه، فمن ذلك ما أخرجه البيهقيّ بسنده عن عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازيّ أنه قال: «ما لأبي بكر والكلام؟ إنما الأولى بنا وبه ألا نتكلم في ما لم نتعلمه! انتهـى
ولعله تأثَّر برأس الكرَّامية، فقد نقل ابن السبكيّ في طبقاته عن الحاكم أنه ذكر في تاريخه محمد بن كرّام فقال: «وقد أثنى عليه في ما بلغني ابنُ خزيمة واجتمع به غير مرة» انتهـى
وقد ألّف كتابًا سُمِّي صحيح ابن خزيمة، احتوى على أبواب وكلماتٍ تَنُمُّ عن ضعف في هذا المجال، مما أدى إلى سقوطه من أعين كثيرين، بل خالفه تلاميذه وردّوا عليه، كما نقل الحاكم في التاريخ، والبيهقي في الأسماء والصفات، وغيرهما. حتى قال الإمام الرازي رحمه الله عن كتاب التوحيد : “هو كتاب شرك”.
ذكر الرازي ذلك أثناء تفسيره لقوله تعالى: “لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ”، وقال عن ابن خزيمة: “كان مضطرب الكلام، قليل الفهم، ناقص العقل”.
وكتاب «التوحيد» هو جزء من صحيحه على التحقيق، لأنه يحيل في أكثر من موضع على أبواب الصلاة وغيرها من أبواب الصحيح
و رَوى البيهقيُّ في كتابِ ” الأسماءِ والصفات” له عن الحاكمِ قالَ: سمعتُ أبا عبدِاللهِ محمدَ بنَ العبَّاسِ الضَّبِّيَّ يقولُ: سمعتُ أبا الفضلِ البطايِنيَّ ونحنُ بالرَّيِّ يقولُ وكانَ أبو الفضلِ يَحجُبُ <أي كالحاجب الحارس الخادم> بينَ يَدَيْ أبي بكرِ محمدِ بنِ إسحاقَ بنِ خُزيمةَ إذا رَكِبَ قالَ خرجَ أبو بكرٍ مُحمَّدُ بنُ إسحاقَ يومًا قُرْبَ العصرِ مِن منزِلِهِ فتَبِعْتُهُ وأنا لَا أدري أينَ مَقصِدُهُ إِلَى أنْ بلغَ بابَ مَعْمَرٍ فدخلَ دارَ أبي عبدِالرَّحمنِ <كان معتزليًّا هذا كان يفسد بين الإمام وبين طلابه بالنميمة لأنهم كانوا أشاعرة صار يقول له أشياء وأنهم يذمونه حَتَّى نفر قلبه منهم> ثُمَّ خَرَجَ وهو منقسمُ القلبِ <حزينًا> فلمَّا بلغَ (المُربَّعَةَ) الصغيرةَ وقَرُبَ مِن خان مَكِّيٍّ وقفَ وقالَ لمنصورٍ الصيدلانيِّ تعالَ فعَدا <وثب> إليهِ منصورٌ فلما وقفَ بين يديهِ قالَ له ما صَنْعَتُكَ <هو يعرف أيش صنعته لكن سأله لشيء> قالَ أنا عطَّارٌ <يعني يعمل في الأعشاب والأدوية> قالَ تُحسِنُ صَنعةَ الأساكفةِ <يعني الأحذية> قالَ لَا قالَ تُحْسِنُ صَنعةَ النجارينَ قال لَا فقال لنا إذا كانَ العطارُ لَا يُحسِنُ غيرَ ما هو فيهِ فما تُنْكِرونَ عَلَى فقيهٍ راوي حديثٍ أنه لَا يُحسِنُ الكلامَ انتهـى
ثُمَّ بيَّنَ البيهقيُّ رَحِمَهُ اللهُ بأنَّ أبا عبدِالرحمنِ هذا كانَ معتزليًّا ألقى عَلَى سمعِ الشيخِ شيئًا مِن بِدْعَتِهِ وصوَّرَ له مِن أصحابهِ أي أبي عليٍّ محمدِ بنِ عبدِالوهَّابِ الثَّقفيِّ وأبي بكرٍ أحمدَ بنِ إسحاقَ الصِّبْغيِّ وأبي محمدِ بنِ يحيى بنِ منصورٍ القاضي وأبي بكرِ بنِ محمدٍ الحِيرِيِّ رحمَهم اللهُ أجمعينَ أنهم يزعُمونَ أنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يَتكلَّمُ بعدَما تكلَّمَ في الأزلِ حَتَّى خرَجَ عليهم وطالتْ خصومتُهُم وتكلَّمَ بما يُوهِمُ القولَ بحدوثِ الكلامِ مع اعتقادِهِ قِدَمَهُ، ثُمَّ إنَّ أبا بكرِ أحمدَ بنَ إسحاقَ الفقيهَ أملى اعتقادَهُ واعتقادَ رُفقائهِ عَلَى أبي بكرِ بنِ أبي عثمانَ وعرضَهُ عَلَى محمدِ بنِ إسحاقَ وارتضاهُ واعترفَ في ما حَكَينا عنهُ أنه أُتِيَ <ويصح هنا أتى> ذلكَ مِن حيثُ إنه لم يُحسِنِ الكلامَ إلخ”. انتهى
فبيّن البيهقي أن أبا عبد الرحمن المعتزلي هذا، ألقى على مسامع ابن خزيمة بعض بدعه، وصوّر له أن أصحابه ينفون عن الله صفة الكلام، مما دفع بابن خزيمة إلى الوقوع في تعبيرات موهمة تخالف عقيدة السلف.
ثم أملى أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه اعتقاده واعتقاد رفاقه، وعرضوه على ابن خزيمة فقبله، واعترف أن ما وقع فيه كان بسبب جهله بعلم الكلام.
فابن خزيمة غرَّر به بعض المبتدعة، لذلك تركه طلابه الكبار ثُمَّ رجع عن التشبيه والتجسيم.
راجع الرابط التالي:
https://www.facebook.com/share/p/19P4Ph4QBA/
وأما الوهابية فإلى يوم الناس هذا، مازالوا ينشرون ما يسمى بـ”كتاب التوحيد”، رغم ما يحتويه من عبارات مصادمة لعقيدة السلف، مع أن المؤلف نفسه قد رجع عن ذلك لاحقًا.
ومع كل ما سبق، فإن لابن خزيمة مقالات قوية ضد أهل التجسيم، منها ما جاء في وصيته التي نقلها الذهبي في سير أعلام النبلاء، حيث قال :” القرآن كلام الله تعالى ، وصفة من صفات ذاته ، ليس شيء من كلامه مخلوق ولا مفعول ولا محدث. فمن زعم أن شيئا منه مخلوق أو محدث أو زعم أن الكلام من صفة الفعل، فهو جهمي ضال مبتدع ، وأقول : لم يزل الله متكلما والكلام له صفة ذات” انتهى
فانظر كيف قال: الكلام ليس بمحدث، وليس من صفات الفعل بل صفة ذات، أي هو أنكر أن يكون الله متكلما وفق مشيئته وإرادته كما يزعم الحشوية.
كما نقل البيهقي بإسناده أن الاعتقاد الذي اتفق عليه ابن خزيمة وأصحابه تضمّن إثبات استواء الله بلا كيف، وأن أفعال الله تعالى بلا حركة.
ملاحظة1 :
المسألة التي أنكرها ابن خزيمة على أصحابه هي ان الله لا يتكلم بعدما تكلم او انه تكلم مرة واحدة ثم انقضى كلامه؛ وهذا كان سوء فهم منه لكلام أصحابه بسبب سعي المعتزلة بالفساد بينهم، وقد صرحوا في الورقة التي عرضوها عليه بعكس هذه المقالة وانكروها مع تقريرهم لمذهبهم بقدم الكلام، فعلم بهذا، أن المسألة لا تتعلق بالأفعال الاختيارية الحادثة.
ثم إن النصوص المنقولة لا تدل على أن النزاع حصل في مسألة الافعال الاختيارية وتجدد الكلام في الذات، ولم تدل على أن ابن خزيمة قائل بمذهب يخالف مذهب الكلابية في قدم الكلام، وهذا ما جعل التيمية يضطرون للمصادرة وإدعاء أن النزاع أساسًا كان في الأفعال الاختيارية.
