معنى قول الجهمية ليس في السماء شيء
جاء في مسند الإمام أحمد، ما نصه: ” حدثنا عبد الله، قال: حدثنا علي بن مسلم، قال: حدثنا سليمان بن حرب، قال: سمعت حماد بن زيد، وذكر الجهمية فقال: ” إنما يحاولون أن ليس في السماء شيء “. انتهى
قال محقق مسند الإمام أحمد – طبعة الرسالة – ما نصه: “هذا أثر صحيح إلى حماد بن زيد، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير علي بن مسلم -وهو الطوسي- فمن رجال البخاري، وعبد الله بن أحمد، فمن رجال النسائي، وكلاهما ثقة، وهذا الأثر من زيادات عبد الله على المسند. وهو في زيادات عبد الله على أبيه في “السنة”. وهو في “السنة” لعبد الله بن أحمد عن أحمد بن إبراهيم الدورقي، عن سليمان بن حرب، به. ومن هذا الطريق أخرجه أبو نعيم في “الحلية” 6/258.
وأخرجه أبو نعيم 6/258 من طريق عباس بن الفضل الأسفاطي، عن سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، عن أيوب السختياني.
وأخرج عبد الله في “السنة” بإسناده إلى عباد بن عوام، قال: كلمت بشرا المريسي وأصحاب بشر، فرأيت آخر كلامهم ينتهي أن يقولوا: ليس في السماء شيء “. انتهى
فما مراد حماد بن زيد وعباد بن عوام من كون الجهمية يقولون ليس في السماء شيء ، وهل هو قول صريح في الجهة كما زعم بعض من ينصر قول الحشوية ؟
قال ابن ابي حاتم في كتاب الجرح والتعديل : ” يوسف بن خالد السمتي البصري يقال انما سمي السمتي للحيته وسمته وكان صاحب رأي، روى عن الاعمش وزياد بن سعد. روى عنه القواريري والعباس بن الوليد النرسي وابو كامل وعبد الله بن عاصم الحماني سمعت أبي يقول ذلك.
نا عبد الرحمن أنا عبد الله ابن أحمد [بن محمد] بن حنبل فيما كتب إلي قال سمعت يحيى بن معين [يقول] وذكر يوسف بن خالد السمتي، فقال: كذاب خبيث عدو الله رجل سوء، رأيته بالبصرة مالا أُحصي، لا يحدث عنه احد فيه خير.
نا عبد الرحمن قال: قُرئ على العباس بن محمد الدوري قال سمعت يحيي بن معين يقول: يوسف بن خالد السمتي كذاب زنديق لا يكتب حديثه، نا عبد الرحمن قال [سمعت أبي وسألته] عن يوسف بن خالد السمتى فقال: انكرت قول يحيى بن معين فيه انه زنديق حتى حمل إليّ كتابا قد وضعه في التجهم بابا بابا ينكر الميزان في القيامة، فعلمت ان يحيى بن معين [كان ] لا يتكلم الاعلى بصيرة وفهم.
قلت ما حاله؟ قال: ذاهب الحديث.
نا عبد الرحمن قال سمعت ابا زرعة وسألته عن يوسف بن خالد فقال: ذاهب الحديث، ضعيف الحديث، اضرب على حديثه، كان يحيى بن معين يقول: كان يكذب “. انتهى
فالتجهم حسب كلام ابي حاتم الرازي هو انكار أمور الآخرة كالميزان والعرش والكرسي والعرش.
فعلى هذا يكون مراد الجهمية ليس في السماء شيء أي ليس فيها عرش ولا كرسي ولا قلم ولا ميزان ولا صراط ، وليس المقصود هو الإله ، لأن الجهمية أصلا لا يمكن إلزامهم بأنهم ينكرون ان الله في السماء فهو عندهم في كل مكان، فهو في السماء عندهم من باب أولى .
ومما يدل أن الجهمية تعتقد أن الله في السماء وفوق العرش وفي كل مكان، ما جاء في ما يسمى بكتاب التوحيد لابن خزيمة، حيث قال: “لَا كَمَا تَزْعُمُ الْمُعَطِّلَةُ الْجَهْمِيَّةُ أَنَّهُ أَعْلَى وَأَسْفَلُ، وَوَسَطٌ، وَمَعَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ أَرْضٍ وَسَمَاءٍ” . انتهى
وجاء أيضا في الرد على الجهمية المنسوب لأبي سعيد عثمان الدارمي قوله : “أَقَرَّتْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ بِهَذِهِ الْآيَاتِ بِأَلْسِنَتِهَا، وَادَّعَوَا الْإِيمَانَ بِهَا، ثُمَّ نَقَضُوا دَعْوَاهُمْ بِدَعْوَى غَيْرَهَا، فَقَالُوا: اللَّهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، لَا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ. قُلْنَا: قَدْ نَقَضْتُمْ دَعْوَاكُمْ بِالْإِيمَانِ بِاسْتِوَاءِ الرَّبِّ عَلَى عَرْشِهِ، إِذِ ادَّعَيْتُمْ أَنَّهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ. فَقَالُوا: تَفْسِيرُهُ عِنْدَنَا: أَنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ وَعَلَاهُ. قُلْنَا: فَهَلْ مِنْ مَكَانٍ لَمْ يَسْتَوْلِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْلُهُ حَتَّى خَصَّ الْعَرْشَ مِنْ بَيْنِ الْأَمْكِنَةِ بِالِاسْتِوَاءِ عَلَيْهِ، وَكَرَّرَ ذِكْرَهُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ؟ فَأَيُّ مَعْنًى إِذًا لِخُصُوصِ الْعَرْشِ إِذْ كَانَ عِنْدَكُمْ مُسْتَوِيًا عَلَى جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ كَاسْتِوَائِهِ عَلَى الْعَرْشِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. هَذَا مُحَالٌ مِنَ الْحُجَجِ، وَبَاطِلٌ مِنَ الْكَلَامِ”. انتهى
فلاحظ قول الجهمية عن العرش: “أَنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ وَعَلَاهُ.”
وقول الدارمي لهم: ” فأي مَعْنًى إِذًا لِخُصُوصِ الْعَرْشِ إِذْ كَانَ عِنْدَكُمْ مُسْتَوِيًا عَلَى جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ “
ثم إن هذا القدر من كلام الدارمي عند التحقيق، صحيح، لأن الاستواء يتضمن إثبات صفة زائدة على العلو، فإن صفة العلو لله عز وجل ثابتة له قبل خلق العرش و لا تتعلق بمخلوق، وأما الاستواء فهو صفة أزلية لله، ليس حادثا، تتعلق بالعرش، وفيها زيادة معاني كإظهار القهر والرفعة.
وأما الجهمية فالاستواء عندهم مستغرق للاستيلاء المقترن بالعلو الحسي.
ملاحظة 1:
الجهمية فرق شتى ولهم عقائد مختلفة، فمنهم مثلا من أنكروا الكرسي في السماء وتأولوه بالعلم، ومنهم من أنكروا العرش وتأولوه بالملك.
راجع الرابط التالي:
https://www.facebook.com/share/p/16Ed5wckTc/
ملاحظة ثانية:
تأويل الاستواء المنقول عن بعض أهل السنة بأنه العلو والاستيلاء، هو عند التحقيق مختلف عن تأويل الجهمية “، فهم أرادوا تعيين مراد محتمل للاستواء مع عدم القطع به، كما هو معلوم من مذهبهم في المتشابهات، وأن المعنى فيها محتمل لا يقين فيه، ولم يريدوا أن الاستواء معناه الاستيلاء والعلو الحسّيان، كما هو ظاهر مذهب من يسمّون بـ “الجهمية”.
ملاحظة ثالثة:
قال الدارمي في الرد على الجهمية : “أَرَأَيْتُمْ إِذْ قُلْتُمْ: هُوَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَفِي كُلِّ خَلْقٍ. أَكَانَ اللَّهُ إِلَهًا وَاحِدًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ وَالْأَمْكِنَةَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قُلْنَا: فَحِينَ خَلَقَ الْخَلْقَ وَالْأَمْكِنَةَ، أَقَدِرَ أَنْ يَبْقَى كَمَا كَانَ فِي أَزَلِيَّتِهِ فِي غَيْرِ مَكَانٍ؟ فَلَا يَصِيرُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْخَلْقِ وَالْأَمْكِنَةِ الَّتِي خَلَقَهَا بِزَعْمِكُمْ، أَوْ لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ أَنْ يَصِيرَ فِيهَا، أَوَ لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ ذَلِكَ؟ قَالُوا: بَلَى”. انتهى
وكلام الدارمي هنا واضح أنه يعتقد بأن الله قبل خلق الخلق كان
بلا مكان، وليس في المكان العدمي كما يدعي الحشوية.


