نقض دعوى أن ابن بزيزة ينسب القعود لله عز وجل
يُروّج بعض المشبهة لادعاءٍ مفاده أنّ العلّامة ابن بزيزة التونسي الأشعري نَسَب القعود إلى الله تعالى، اعتمادًا على ما ذكره في شرحه الإسعاد في شرح الإرشاد. غير أن الفحص الدقيق للنصوص يكشف بوضوح فساد هذا الادعاء وسقوطه علميًا.
فقد ذكر ابن بزيزة في الإسعاد ما نصّه:
“وذكر ابن خزيمة عن أسماء بنت عميس: كنت مع جعفر بأرض الحبشة، فرأيت امرأة على رأسها مكتل من دقيق فمرت برجل من الحبشة، فطرحه عن رأسها، فسفّت الريح منه الدقيق فقالت له: أكلك للملك يوم يقعد على الكرسي، ويأخذ للمظلومين من الظالمين”. انتهى.
وهذا الأثر لا يُحتج به في العقائد؛ لأنه من الأخبار التالفة التي لا تثبت بها أصول الدين، فضلًا عن ضعف دلالته.
راجع الرابط التالي:
https://www.facebook.com/share/1GvUifRy9A/
ثم قام ابن بزيزة بتحليل منهج ابن خزيمة في الاستدلال بهذا الأثر، فبيّن الإلزام المترتب عليه، فقال:
“فقعوده سبحانه على العرش كاستوائه على العرش، فليس المراد منه استواء الأجسام والاستقرار على الأمكنة، لأنّ ذلك من لوازم الأجسام”. انتهى.
ويتبيّن من هذا النص أن ابن بزيزة لا يثبت القعود ولا الاستقرار لله تعالى، بل يقرر أن فهم ابن خزيمة يستلزم ذلك، ثم يتعقّبه وينقض لوازمه. وهذا ما صرّح به بعد ذلك بوضوح، إذ قال:
“وقد دلّ الدليل على أنه سبحانه منزّه عن ذلك. فقال بعضهم: المراد بالاستواء القهر والغلبة والإجبار، وأن العرش مصرف تحت أحكام قدرته سبحانه، قائم بطاعته، ونبّه بالعرش على باقي المخلوقات لأنه أعظمها قدرًا.” انتهى.
وبذلك يتضح أن ابن بزيزة ينزّه الله تعالى عن القعود والاستقرار، ويردّ على من حمل الاستواء على معاني الأجسام، ويبين بطلان ذلك من جهة الدليل والنقل والمعنى.
ومن هنا نتبين أن دعوى بعض المنتسبين إلى الحشوية بأن ابن بزيزة يثبت لله تعالى القعود، هي دعوى باطلة، ناشئة عن سوء فهم لكلامه، وعن انتزاعٍ غير علمي لنصوصه من سياقها. فابن بزيزة لم يثبت هذا المعنى قط، بل بيّن أنه من لوازم قول ابن خزيمة، ثم صرّح ببطلانه وتنزيه الله عز وجل عنه.
****
تحتج المجسمة لنسبة صفة القعود لله تعالى بما رواه ابن خزيمة في كتاب التوحيد
, حيث قال: “حدثنا بشر بن خالد قال حدثنا أبو أسامة قال حدثنا زكريا بن أبي زائدة عن أبي اسحاق عن سعد بن معبد عن أسماء بنت عميس قالت كنت مع جعفر بأرض الحبشة فرأيت امرأة على رأسها مكتل من دقيق فمرت برجل من الحبشة فطرحه عن رأسها فسفت الريح الدقيق فقالت أكلك إلى الملك يوم يقعد على الكرسي ويأخذ للمظلوم من الظالم. استدلت به أسماء على أن الله على عرشه”. انتهى
وجواب ذلك أن يقال أن الصفة لله لا تثبت بقول صحابي ولا تابعي إلا بما صح من الأحاديث النبوية المرفوعة المتفق على توثيق رواتها ، فلا يحتج بالضعيف ولا بالمنقطع و لا بالمختلف في توثيق رواته, كما قال أبو سليمان الخطابي فيما نقله عنه البيهقي في كتاب الأسماء و الصفات صحيفة 335-336 : “لا تثبت لله صفة إلا بالكتاب أو خبر مقطوع له بصحته يستند إلى أصل في الكتاب أو في السنة المقطوع على صحتها” انتهى
وهذا الأثر في سنده:
أ- زكريا بن أبي زائدة : جاء في تهذيب التهذيب 3/329، وتقريب التهذيب ما نصه: “وكان يدلس وسماعه من أبي إسحاق بآخره”. انتهى
وقال العجلي: كان ثقة إلا أن سماعه من أبي إسحاق بآخره .
و قال أبو زرعة لما سئل عنه:” صويلح يدلس كثيرا عن الشعبى” كما في كتاب “الجرح والتعديل” و “تهذيب التهذيب”
وقال شيخ المجسمة الألباني في كتابه الإرواء” (7/47) ما نصه: زكريا هذا مدلس كما قال أبو داود وغيره. انتهى
وجاء في التبيين لأسماء المدلسين لسبط بن العجمي المتوفى سنة 841 هجري ما نصه: “قال ابوحاتم الرازي يدلس عن الشعبي و عن بن جريج”. انتهى
ب – أبو إسحاق السبيعي : ثقة من العلماء العاملين، ومن جلة التابعين. ولما كبر تغير حفظه تغير السن، و رواية زكريا عنه كانت بعد ذلك. قال ابن حجر في ترجمته : “ثقة مكثر عابد ، اختلط بأخرة”
فهذا الأثر غير ثابت و زكريا بن أبي زائدة متهم بالتدليس وقد عنعن فلم يصرح بالتحديث وكذلك سماعه من أبي إسحاق بآخره أي عندما اختلط
و بالتالي فالخبر ليس مقطوعا له بالصحة ومثل هذا لا يحتج به في العقائد. على أن هذا الحديث منقول من كلام امرأة مجهولة من الحبشة فبطل بذلك كلام المجسمة جملة و تفصيلا.


