نقض دعوى المجسّمة في إثبات القدم إلى الله و مسّ الله لجهنم بقدمه – الطبري في تفسيره

نقض دعوى المجسّمة في إثبات مسّ الله لجهنم بقدمه

تُعدّ نسبة القدم إلى الله تعالى ووضعها في جهنم من المرويات التي روّجت لها التيارات التجسيمية، المتأثرة بالعقائد الحاخامية اليهودية. وقد نُسبت هذه الدعوى إلى ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، على الرغم من أن أسانيدها لا تثبت، ومتونها مخالفة لأصول التنزيه القطعية.

وفيما يلي أبرز المرويات المحتجّ بها، مع بيان عللها الحديثية:

1- ذكر الطبري في تفسيره، ما نصه: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ. قال ابن عباس: ” إن الله الملك تبارك وتعالى قد سبقت كلمته: لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ فلما بعث الناس وأحضروا، وسيق أعداء الله إلى النار زمرا, جعلوا يقتحمون في جهنم فوجا فوجا, لا يلقى في جهنم شيء إلا ذهب فيها, ولا يملأها شيء, قالت: ألستَ قد أقسمت لتملأني من الجِنَّة والناس أجمعين؟ فوضع قدمه، فقالت حين وضع قدمه فيها: قدِ قدِ, فإني قد امتلأت, فليس لي مزيد, ولم يكن يملأها شيء, حتى وَجَدَتْ مسّ ما وُضع عليها, فتضايقت حين جعل عليها ما جعل, فامتلأت فما فيها موضع إبرة “. انتهى

وهذا إسناد مسلسل بالضعفاء، و التابعي الذي يرويه عن ابن عباس، هو”عطية العوفي”.

قال السيوطي في الإتقان: “وطريق العوفي عن ابن عباس، أخرج منها ابن جرير، وابن أبي حاتم، كثيرًا. والعوفي ضعيف، ليس بواه، وربما حسن له الترمذي”. انتهى

لكن وثقه الشيخ محمود سعيد ممدوح في “القول المستوفي في بيان حال عطية العوفي

ثم إن هذا السند فيه:

– محمد بن سعد: الذي يروى عنه الطبري: هو محمد بن سعد بن محمد بن الحسن بن عطية بن سعد بن جنادة العوفي، من”بني عوف بن سعد”. وهو لين في الحديث، كما قال الخطيب. وقال الدارقطني: “لا بأس به. وهو غير”محمد بن سعد بن منيع” كاتب الواقدي، وصاحب كتاب الطبقات الكبير، فهذا أحد الحفاظ الكبار الثقات المتبحرين.

– أبوه: سعد بن محمد بن الحسن العوفي”: ضعيف جدًّا، سئل عنه الإمام أحمد، فقال: “ذاك جهمي”، ثم لم يره موضعًا للرواية ولو لم يكن، فقال: “لو لم يكن هذا أيضًا لم يكن ممن يستأهل أن يكتب عنه، ولا كان موضعًا لذاك”.

– عمه: أي عم سعد، وهو الحسين بن الحسن بن عطية العوفي”. قال ابن معين: “كان ضعيفًا في القضاء. ضعيفًا في الحديث”. وقال ابن سعد في الطبقات: “وقد سمع سماعًا كثيرًا، وكان ضعيفًا في الحديث”. وضعفه أيضًا أبو حاتم والنسائي. وقال ابن حبان في المجروحين: “منكر الحديث. . ولا يجوز الاحتجاج بخبره”.

– أبوه: وهو”الحسن بن عطية بن سعد العوفي”، وهو ضعيف أيضًا، قال البخاري في الكبير: “ليس بذاك”، وقال أبو حاتم: ” ضعيف الحديث”. وقال ابن حبان: “يروى عن أبيه، روى عنه ابنه محمد بن الحسن، منكر الحديث، فلا أدري: البلية في أحاديثه منه، أو من أبيه، أو منهما معًا؟ لأن أباه ليس بشيء في الحديث، وأكثر روايته عن أبيه، فمن هنا اشتبه أمره، ووجب تركه

– عن جده: وهو”عطية بن سعد بن جنادة العوفي”، مختلف فيه. قال ابن سعد: “كان ثقة إن شاء الله، وله أحاديث صالحة. ومن الناس من لا يحتج به”، وقال أحمد: “هو ضعيف الحديث. بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير. وكان الثوري وهشيم يضعفان حديث عطية”. قال: صالح”.

فهذا الإسناد لا تقوم به حجة في العقائد، ويلاحظ أيضا أن هؤلاء المجسمة يحتجون بالجهمية والضعفاء والمتروكين لاثبات عقائدهم الوثنية.

2- قال الطبري في تفسيره ما نصه: “حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ، يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول فى قوله ( يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ) كان ابن عباس يقول: ” إن الله الملك, قد سبقت منه كلمة لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ لا يلقى فيها شيء إلا ذهب فيها, لا يملأها شيء, حتى إذا لم يبق من أهلها أحد إلا دخلها, وهي لا يملأها شيء, أتاها الربّ فوضع قدمه عليها, ثم قال لها: هل امتلأت يا جهنم؟ فتقول: قطِ قطِ; قد امتلأت, ملأتني من الجنّ والإنس فليس في مزيد; قال ابن عباس: ولم يكن يملأها شيء حتى وجدت مسّ قدم الله تعالى ذكره، فتضايقت، فما فيها موضع إبرة “. انتهى

وهذا الأثر بمثل هذا السند لا يصح، ولا ينهض للاحتجاج به في العقائد، ففيه:

– الضحاك ابن مزاحم الهلالي الخراساني: وكان كثير الإرسال، كما قال الحافظ، حتى قيل: إنه لم يثبت له سماع من أحد من الصحابة.

– عبيد : وهو ابن سليمان الباهلي، روى عن الضحاك بن مزاحم، وعنه جمع، منهم أبو معاذ الفضل بن خالد النحوي. قال عبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبيه : لا بأس به .

– أبو معاذ الفضل بن خالد النحوي: أورده ابن أبي حاتم في “الجرح والتعديل” ” ولم يذكر فيه جرحًا أو تعديلًا.

– الحسين: هو ابن الفرج أبو علي وقيل: أبو صالح، ويعرف بابن الخياط والبغدادي، وهو ضعيف متروك.

وفي المجمل فهذه المرويات، سواء عن طريق العوفي أو عن طريق الضحاك، لا يثبت منها شيء لفقد الاتصال، وكثرة الضعفاء و المتروكين.

كما أن هذه الأخبار وردت أيضًا في: التفسير المنسوب لإسحاق البستي، و كشف الأسرار لأبي إسماعيل الهروي الأنصاري، ورغم ذلك فهي لا تزيد ثبوتًا.

هناك رسالة تبين أن عطية العوفي ثقة، وأن من ضعفه لم يبرر تضعيفه، بل ضعفه لمذهبه. اسم الرسالة “القول المستوفي في بيان حال عطية العوفي”.

وقد قرأت مرة رواية عن الإمام علي من طريق عطية العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: سأل رجل أمير المؤمنين فقال له: هل رأيت ربك؟ فقال: أنا أعبد من لا أرى، وفي رواية ما كنت لأعبد رباً لم أره، فقال: وكيف رأيته أو كيف تراه؟ فقال: (لا تدركه العيون بمشاهدة العيان وإنما تدركه القلوب بحقائق الإيمان، قريب من الأشياء غير ملابس، بعيد عنها غير مباين، متكلم بغير رؤية، مريد بلا همة، صانع بلا جارحة، لطيف لا يوصف بالجفا، كبير لا ينعت بالجفاء، بصير بلا حاسة، رحيم بلا رأفة أو برقة، تعنو الوجوه لعظمته، وتوجل القلوب من مخافته) تذكرة خواص الأمة في خصائص الأئمة 1 / 584 – 585

وهذا الكتاب منسوب لسبط ابن الجوزي