التّوفيق هوَ خَلْقُ قُدرَة الطّاعَة في العَبد

والأمرُ الثّالثُ هوَ التّوفيقُ ومعنى التّوفيق هوَ خَلْقُ قُدرَة الطّاعَة في العَبد

اللهُ تَبارك وتَعالى هوَ الذي يَخلُق قُدرَةَ الطّاعَةِ في العَبد، هوَ الذي يُلهِمُ الإِنسانَ الإيمانَ والإذعانَ والتّصديقَ وهوَ الذي يُقَدِّرُ العَبدَ على العَملِ بالجَوارح على الصّلاةِ وغَيرِ ذلك

معنى كلام المؤلّف أبي جَعفر أنّنا بتَوحِيدِنا للهِ تَعالى مع الاعتقادِ فاللهُ تَبارك وتَعالى هوَ الذي تَفَضّلَ علَينا وتَكرَّم بأنْ جعَلَنا على هذه الحالِ ولَولا خَلقُ اللهِ فِينا ذلكَ أي النّطق والاعتقاد والإذعان ما حَصَل

هذَا فيهِ تَسلِيمٌ للهِ تَبارك وتَعالى بأنّهُ لا يَحصُل للعَبدِ شَىءٌ مِنَ الخَير إلاّ بِعَوْن الله، إلا بتَوفيقِ الله، أي بخَلقِه، القُدرَةُ في العَبدِ على ذلكَ الخَير، على ذلكَ العَملِ الصّالح إن كانَ قَلبِيًّا وإنْ كَانَ جسَديًّا

يقولُ نقُولُ في تَوحيدِ الله أي في إفرادِه بالعِبادة وعَدم الإشراكِ بهِ وتَنـزيهِه أي عن تَشبِيهِه بغَيرِه وذلكَ بتَوفيقِ اللهِ تَعالى، إنّ اللهَ واحِدٌ لا شَريكَ لهُ،

الواحِد والأحَدُ قالَ بعضُ الفقهاءِ بمعنى واحِد، وقالَ بَعضٌ الواحِدُ هوَ الذي لا شَريكَ لهُ في الألُوهيّةِ أي لا ثانيَ لهُ، وأمّا الأحَدُ فهوَ الذي لا يَقبَلُ الانقِسَام، ليسَ كغَيرِه مِنَ الأجرام لأنّ الأجْرامَ تَقبَلُ الانقِسام.

قال رحمه الله: “ولا شَىءَ مِثلُه ولا شَىءَ يُعجِزُه ولا إلهَ غَيرُه قَديمٌ بلا ابتداءٍ دائمٌ بلا انتهاءٍ لا يَفنى ولا يَبِيدُ ولا يَكونُ إلاّ ما يُريد”
الشرح:

قال رحمه الله: “لا تَبلُغُه الأوهَام”

الوَهمُ لا يَبلُغ اللهَ تَعالى، التّصَوُّر أي تَصوُّرُ الإِنسانِ لا يَبلُغ اللهَ تَعالى لأنّ الأوهامَ تَبلُغ ما لهُ شَبَهٌ مَألُوفٌ في المخلُوقَاتِ

فالشّىءُ الذي يُشبِهُنا ولَو بوَجهٍ واحِدٍ الوَهمُ يَبلُغُه أمّا الشّىءُ الذي لا يُشبِهُنا ولا بوَجْهٍ مِنَ الوجُوه الوهمُ لا يَبلغُه

قال الإمامُ ذُو النُّونِ المصري: مَهما تَصوَّرتَ ببالِكَ فاللهُ بخِلافِ ذلكَ

ومِثلُ ذلكَ نقَلَ عن الإمامُ أحمدُ بنُ حَنبَل أنّه قالَه. وذُو النّون المصري أقامَ بالعِراق مُدّةً ثمّ سكَنَ مِصرَ حتّى تَوفّاهُ الله، وكانَ مِن تاريخ بَعضِ الصَّحابَةِ والتّابعِين وأتباعِ التّابعِين أنهم سكَنُوا العراقَ واستَقرُّوا فيها أو خَرجُوا عنها إلى غيرِها

فكانَ الإمامُ ذو النّون المصري مِنَ الذينَ دخَلُوها وأقامُوا فيها ثم خَرجُوا منها، قال رَضيَ اللهُ عنهُ مَهما تصَوَّرتَ ببَالِكَ فاللهُ بخِلافِ ذلكَ كذلكَ هذَا النّصُّ مَنقُولٌ عن الإمام أحمَد، وهذا مفهومٌ مِن قولِ اللهِ تَعالى: {ليسَ كمِثلِه شَىء}، ليسَ شَيئًا لا صِلةَ لهُ بالقرآن إنما هوَ مأخوذٌ منَ القُرآن

{ليسَ كمِثلِه شَىء} كلمة شَىء تَشمَلُ كلَّ مَا دخَلَ في الوجُود مِن إنسانٍ ومَلائكةٍ وجِنّ ورُوح وهَواء ونَوم وظُلمَةٍ وغَيرِ ذلكَ مِن أصنافِ المخلوقَات وأنواعِها، كُلُّ هذَا شَىء كلمةُ شَىءٍ تَشمَلُ هذَا كُلَّه

فالله يُخبرُنا بأنّهُ لا شَىءَ مِنَ الأشياءِ أي لا شَىءَ دخَل في الوجُودِ يكونُ مُشَابهًا للهِ تَبارك وتَعالى بوجهٍ منَ الوجُوه، هذَا المعنى إذا حُلَّ أو سُبِق بعِبارَةٍ أُخرَى يَأتي هكذا مهما تَصوّرتَ ببالِكَ فاللهُ بخِلاف ذلك

الله تَعالى نهانا عن التّفَكُّر في ذاتِه، لا يجُوز التّفَكّر في ذاتِ الله، إنّما التّفَكّر في المخلوقاتِ يكونُ

نتَفَكّرُ في هذه الأرض التي تحمِلُنا نتفَكّرُ في هذه السّماءِ التي تُظِلُّنا، لأنّ كُلَّ هذَا دليلٌ نصَبَه اللهُ تَعالى

هذه المخلوقات وجودُها دليلٌ على وجُودِ إلهٍ خَالِقٍ موصُوفٍ بالحياةِ والعِلم والقُدرَة والسّمْع والبصَر

هؤلاء الأوروبّيونَ أقفَلَ اللهُ قلُوبَهم.

قال رحمه الله: “ولا تُدركُه الأفهامُ”

أي أن العقولَ لا تُحيطُ به لأنّ الإحاطَةَ تَستَلزمُ تَكيِيفَ الشّىءِ واللهُ تَعالى مُنَـزّهٌ عن التّكيِيفِ، أي الهيئَة

قال رحمه الله: “ولا يُشبِهُ الأنامَ”

الأنامُ همُ الخَلقُ، لا يُشبِهُ اللهُ تَعالى الأنامَ لا في ذاتِه ولا في صِفاتِه ولا في أفعالِه.

واللهُ تَعالى واجِبُ الوجُودِ أي لا يَقبَلُ الانتفاءَ أمّا هذَا العَالَم فلَيسَ واجِبَ الوجُودِ عقلا،واللهُ سُبحَانَهُ وتَعالى وجودُه ذاتيّ أمّا وجودُ غَيرِه فهوَ حَادثٌ.

واللهُ تَعالى مَوصُوفٌ بصفاتٍ أزَليّةٍ أبَديّةٍ لا تُشبِهُ صفاتِ غَيرِه، ويُقالُ نُعُوتُ الله بمعنى صفات الله.

قال رحمه الله: “قَيُّومٌ لا يَنام”

ومعنى القَيُّوم أي الدّائم الذي لا يَزُول.

وقوله رحمه الله: “حيّ لا يموت”

المعنى أنّ الله تَعالى موصوفٌ بحَياةٍ أزليّةٍ أبديّةٍ ليسَت برُوحٍ ولحم ودَم.