《تَفسِيرُ قَولِهِ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ﴾》
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ}. هَذِهِ الآيَةُ لَيْسَ مَعْنَاهَا أَنَّ اللهَ لَهُ عُضْوٌ، لَهُ جَارِحَةُ، رِجْلٍ حَقِيقِيَّةٌ، قَدَمٌ حَقِيقِيَّةٌ، هَذَا مُسْتَحِيلٌ، لِمَاذَا؟ لِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ}، وَقَالَ: {فَلَا تَضْرِبُوا للهِ الْأَمْثَالَ}. وَمَعْنَى هَذِهِ الآيَةِ كَمَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَدَدٍ كَبِيرٍ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَوَّلُوا، وفَسَّرُوا هَذِهِ الآيَةَ “بِالشِّدَّةِ الشَّدِيدَةِ”، يَعْنِي فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ اللهُ تَعَالَى يُظْهِرُ تِلْكَ الْأَهْوَالَ الْعَظِيمَةَ وَالْعَجِيبَةَ الَّتِي كَانَتْ خَافِيَةً عَنِ الْعِبَادِ. إِذًا هُنَا {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ}، عَنْ شِدَّةٍ شَدِيدَةٍ مِنْ أَهْوَالِ الْقِيَامَةِ، هَذَا مَعْنَاهُ. وَعِنْدَ الْعَرَبِ مَعْرُوفٌ يَقُولُونَ: “وَقَامَتْ بِنَا الْحَرْبُ عَلَى سَاقٍ”، أَيِ “اشْتَدَّتْ”، أَيْ أَنَّ الْحَرْبَ صَارَتْ شَدِيدَةً جِدًّا، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ السَّاقَ الْحَقِيقِيَّةَ أَوِ الْقَدَمَ أَوِ الرِّجْلَ، فَهَذَا كُلُّهُ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ واللهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ. وَسَمِعْتُ أَحَدَ الْمُشَبِّهَةِ الْمُجَسِّمَةِ مِنْ لُبْنَانَ يَقُولُ: إِذَا أَوَّلْتُمْ هَذِهِ الآيَةَ بِالشِّدَّةِ الشَّدِيدَةِ، وَكَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: “وَقَامَتْ بِنَا الْحَرْبُ عَلَى سَاقٍ”، فَمَاذَا تَقُولُونَ فِي حَدِيثِ: “يَوْمَ يَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ؟” هَذِهِ الإِضَافَةُ لَا تَصِحُّ، كَمَا نَهَى عَنْهَا الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ. فَهَذِهِ الْعِبَارَةُ <يَوْمَ يَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ> يُرِيدُونَ عَلَى زَعْمِهِمْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ هُوَ، أَيْ هَذَا الْعُضْوُ، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ. وَالْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ مَالِكٌ إِمَامُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ أَحْمَدُ: “إِذَا ذُكِرَ الْحَدِيثُ فَمَالِكٌ النَّجْمُ”، الْإِمَامُ مَالِكٌ نَهَى عَنْ هَذَا التَّعْبِيرِ وَنَهَى عَنْ هَذَا اللَّفْظِ وَلَمْ يَرْضَ أَنْ يُحَدَّثَ بِهِ النَّاسُ، كَمَا رَوَى ذَلِكَ حَبِيبُكُمْ “الذَّهَبِيُّ” عَنْ مَالِكٍ. فَهَذَا اللَّفْظُ <يَوْمَ يَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ> لَا يَصِحُّ وَلَا يَثْبُتُ، وَهَذِهِ الإِضَافَةُ بِزَعْمِكُمْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَهُ سَاقٌ حَقِيقِيَّةٌ رَدَّهَا الْإِمَامُ مَالِكٌ الَّذِي هُوَ مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ. فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ؟
الشَّيخ الدُّكتور جميل حليم حَفِظَهُ اللهُ تعالى وغَفرَ اللهُ لهُ وللمُؤمِنِينَ والمُؤمِنات.
