حكم الزائد في كتاب الله.
وقَد رَوى ابنُ حبّانَ والحاكمُ والبَيهقي (صحيح ابن حبان (انظر الإحسان: كتاب الحظر والإباحة: باب اللعن، 7/501)، المستدرك (1/36) وصححه الحاكم وأقره الذهبي، شعب الإيمان (3/443).) أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: “سِتَّةٌ لعَنتُهم ولعَنَهُم اللهُ وكُلُّ نَبيٍّ مُجَابٍ” وعَدَّ مِنهُم الزّائدَ في كتابِ الله.
والزِّيادَةُ أنواعٌ مِنها أنْ يزيدَ الشّخصُ بنيّةِ أنْ يُوهِمَ النّاسَ أنّ هذا قرءانٌ وهوَ ليسَ منَ القُرءانِ إجماعًا فهذا أشَدُّهم إثْمًا، فمَن زادَ في القُرءانِ شَيئًا أُجمِعَ على أنّهُ ليسَ مِن القُرءان فقَد كفَر.
والثّاني هوَ مَنْ يَزيدُ حَرفًا مِنْ أَجْلِ تَحسِينِ الصَّوتِ عَمدًا ليسَ على اعتِقَادِ أنّهُ منَ القُرءانِ فهَذا أقلُّ إثمًا وهوَ مِنْ جملةِ عُصاةِ المسلمِينَ.
والثّالثُ هوَ الذي يَزِيدُ حَرفًا مِنْ دُونِ تَعمُّدٍ إنَّما جَهلًا مِنهُ بالتّلاوةِ التي أنزِلَت على النبيّ فهذا أقلُّ إثمًا منَ الأوَّلَين، كمَنْ يُولِّدُ حَرفًا بينَ الهمزَةِ والنُّونِ الْمُشَدَّدَةِ فيقُولُ “إيْنّا” بدَلَ “إنَّا”، وكذَلكَ ما يَفعَلُهُ بَعضُ العجَمِ مِنْ زِيادةِ واوٍ أمَامَ حَرفِ الغُنَّةِ إذا سبَقَتْه ضَمَّةٌ يقُولُونَ “مَاهُونّ” بدل (“ما هُنَّ”) لأنّهُ ليسَ في لُغَتِهم غُنّةٌ وإنّما هيَ مِن خَصائصِ لُغَةِ العَرَب، وكذَلكَ يَزِيدُونَ ألِفًا جَوفيّةً ويُقالُ لها الألِفُ اللَّيّنَةُ بينَ الحَرفِ الذي قَبلَ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ وبَينَ النُّون يقولونَ: “ءانّ لهمُ النّار” (بدَل أنَّ لهم) وكلُّ هَذا حَرامٌ.
وأمّا الإخلالُ بالتّرقيقِ والتّفخِيمِ وسَائرِ الْمُدُودِ سِوَى المدِّ الطَّبِيعيِّ ونَحوِ ذلكَ فلَا يَأثمُ مَنْ أخلَّ بهِ في حالِ القراءةِ، لأنَّ في إيجابِ ذلكَ لكُلِّ قَارئ حرَجًا، وقولُ بَعضٍ بوجُوبِ مُراعَاةِ كُلِّ مَا أجمعَ عليهِ القُرَّاءُ مِنْ مَدٍّ وقَصْرٍ وتَرقِيقٍ وتَفخِيم وإظهَارٍ ونَحوِ ذلكَ فهوَ غَيرُ صَحِيحٍ لأنّهُ يؤدِّي إلى الحَرَجِ ولم يَجعَلِ اللهُ تَعالى في الدِّينِ مِنْ حرَجٍ، فلِذَلكَ لم يَأخُذِ الشَّيخ زكريا الأنصَاريُّ بظَاهِرِ قولِ ابنِ الجزَريِّ (المقدمة الجزرية مع شرحها الدقائق المحكمة (ص/30).) [رجز]
والأخْذُ بالتَّجوِيدِ حَتْمٌ لازِمُ
مَنْ لم يُجَوِّدِ القُرانَ ءاثِمُ
(وفي نسخة صحيحة: “مَن لم يُصَحِّحِ القُرَانَ ءاثِمُ”.)( ولو قالَ: وذُو لحُونٍ في القُرانِ ءاثمُ لكَانَ صَوابًا.وبَعضُهُم أوّلَ لابنِ الجزَريّ قولَه هذا بالذي لحَنَ في قِراءَتِه)
( فائدة: معنى التّجويدِ إعطَاءُ الحرُوفِ حَقَّها ومُستَحَقَّها قال الله تعالى: “ورَتِّلِ القُرءانَ تَرتِيلًا”معنَاهُ أَظْهِرْ حرُوفَه،أي لا تَعْجَل بقراءةِ القُرءانِ بل اقرأه في مَهْلٍ وبيَانٍ أي بيِّنْه تَبيِينًا مع تَدبُّر المعاني، ليسَ شَرطًا حُسنُ الصَّوتِ،
مَن تَركَ الغُنّةَ والتّفخِيمَ والتّرقيق مِن غَيرِ أن يغَيّر الحَرفَ ما عليهِ مَعصِيَة .مَن قرأ القرءانَ مِن غَيرِ تَغيِيرٍ بالأحرف ولكنّه لم يأتِ بالغُنّة والتّرقِيقِ والتّفخِيم في محَلِّه مَا علَيهِ ذَنبٌ ولكنّه يُحرَمُ الثّوابَ
فالذي يُرِيدُ الثّوابَ يَأتي بالحرُوف مِن مخَارجِها ويُعطِيْها صِفَاتِها الحَرفُ المفَخَّمُ يَنطِقُ بهِ مُفَخَّمًا والمرَقَّقُ يَأتي به مرَقَّقًا .ومَن قرأ القرءانَ مِن غَيرِ تلَقٍّ مِن أهلِ المعرفةِ الثّقَاة لا ثوابَ لهُ في قراءتِه فإنْ أخَذ بعضًا بالتّلَقّي وأحسنَ قراءتَه يَقرأ ما أخَذَ ومَا كانَ مِثْلَه)
تَنبِيه: مما يُخالِفُ الصَّوابَ عَدُّ بعض في معاصي اللّسَانِ نِسيانَ القُرءانِ ولو حَرفًا واحِدًا بعدَ أن حفِظَهُ، وكلامُهُم هذا غيرُ صحيح (قالَ ابنُ عبدِ البَرّ في الاستِذكَار (2/475) بَعدَ أنْ سَاقَ إسنَادَه إلى نُعِيمِ بنِ حمّاد: “قالَ: سمِعتُ سُفيانَ بنَ عُيَينةَ يَقُول في مَعنى ما جاءَ مِنَ الأحاديث في نِسيَانِ القُرءان قال: هوَ تَرْكُ العَمَل بما فيهِ قالَ تَعالى: {اليومَ نَنْساكُمْ كما نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُم هذا} [سورة الجاثية/34].)،
وهَذا يؤدِّي ببَعضِ النّاسِ إلى الخَوفِ مِن حِفْظِ القُرءانِ لأنّ أكثَرَ النّاسِ يَنسَون.
والحَديثُ الذي يَعتَمِدونَ عليهِ في ذلكَ غيرُ صَحِيحٍ (قالَ التّرمذي في سُنَنه: كتاب فضائل القرءان: باب (19): “هذا حديثٌ غَريبٌ لا نَعرِفُه إلّا مِن هذا الوَجْه. قالَ: وذكَرت بهِ محمد بنُ إسماعيل –يعني البخاري- فلَم يَعرِفْه واستَغربَه”، ورَمَز السُّيوطيّ في الجامع الصغير (2/153) لهُ بالضَّعْف.) وهوَ ما رواهُ أبو داود (أخرجَه أبو داودَ في سننه: كتاب الصلاة: باب في كَنْس المسجِد.) “عُرِضَت عَلَيَّ أجُورُ أُمَّتِي حتى القَذاةُ يُخرِجُها الرَّجُلُ مِنَ المسجِدِ وعُرِضَتْ علَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتي فلَم أرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ القُرءانِ أو ءايَةٍ أُوتِيَها
رَجُلٌ ثمّ نَسِيَها”.
ومِنَ الدَّلِيلِ على عَدمِ صِحَّتهِ أنّهُ يَلْزَمُ الحَرجُ على مُقتَضاهُ (والحَرَجُ الضِّيْقُ وقال الزّجّاجُ أضيَقُ الضِّيْق) فإنّهُ لا يَخلُو الحَفظَةُ للقُرءانِ غالبًا مِنْ نِسيَانِ شَىءٍ منهُ، واللهُ لم يجعلْ في الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، وقَدْ أَبْعَدَ بَعضُ الْمُتَأخِّرِينَ منَ الشّافعِيّةِ في الشُّذُوذِ فقال: يَدخُلُ في مَعصِيَةِ نِسْيَانِهِ بمجَرَّدِ النُّقصَانِ عن الحالِ التي كانَ علَيها في الحِفظِ وهذا ضَلالٌ وكُفرٌ والعياذُ بالله.
الشرح : بصوت الشيخ الدكتور عبد الرزاق الشريف حفظه الله تعالى.
