《مَاذَا نَرُدُّ عَلَى مَنْ يَقُولُ: العُبَيْدِيُّونَ هُم أَوَّلُ مَنْ احْتَفَلَ بِالمَوْلِدِ، فَكَيْفَ تُقَلِّدُونَهُم؟》
هٰذَا الكَلَامُ الَّذِي تُرَوِّجُهُ اليَوْمَ المُجَسِّمَةُ المُشَبِّهَةُ أَتْبَاعُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ الحَرَّانِيِّ، يَقُولُونَ عَنِ الأَشَاعِرَةِ وَالمَاتُرِيدِيَّةِ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ: «أَنْتُمْ تَتَّبِعُونَ هٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَانُوا فِي مِصْرَ»، يَعْني عَنْ العُبَيْدِيِّينَ، يَقُولُونَ: «أَحْدَثُوا المَوْلِدَ وَأَنْتُمْ عَلَى آثَارِهِمْ وَتُقَلِّدُونَهُم وَتَتَّبِعُونَهُم». أَوَّلًا: فِي الجَوَابِ عَلَى هٰذِهِ التُّهْمَةِ وَعَلَى هٰذَا الهُرَاءِ يُقَالُ لَهُم: كَلَامُكُم هٰذَا أَنْتُمْ تَحْمِلُونَهُ عَلَى زَعِيمِكُم ابْنِ تَيْمِيَّةَ. ابْنُ تَيْمِيَّةَ الحَرَّانِيُّ كَانَ يَعْرِفُ مَا أَحْدَثَهُ العُبَيْدِيُّونَ فِي مِصْرَ، يَعْرِفُ هٰذَا الأَمْرَ، وَمَعَ ذٰلِكَ مَاذَا قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ نَفْسُهُ فِي هٰذَا الكِتَابِ الَّذِي هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُم وَيُقَالُ لَهُ “اقتِضَاءُ الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ”، هٰذِهِ طِبْعَةٌ قَدِيمَةٌ دَارُ المَعْرِفَةِ، مَاذَا يَقُولُ هُنَا؟ «فَتَعْظِيمُ المَوْلِدِ (يَتَكَلَّمُ عَنِ المَوْلِدِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ)، وَعَنِ اتِّخَاذِ المَوْلِدِ مَوْسِمًا قَدْ يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ وَيَكُونُ لَهُ فِيهِ أَجْرٌ عَظِيمٌ لِحُسْنِ قَصْدِهِ وَتَعْظِيمِهِ لِرَسُولِ الله ﷺ». إِذَا كَانَ تَقْلِيدًا لِهٰؤُلَاءِ الضَّالِّينَ الَّذِينَ كَانُوا فِي مِصْرَ وَلَوِ احْتَفَلُوا بِالمَوْلِدِ فَنَحْنُ نَكُونُ مُقَلِّدِينَ لَهُم عَلَى زَعْمِكُم، فَهٰذَا شَيْخُكُم ابْنُ تَيْمِيَّةَ يَقُولُ: «إِنَّ الِاحْتِفَالَ بِالمَوْلِدِ بِقَصْدٍ حَسَنٍ فِيهِ أَجْرٌ عَظِيمٌ»، فَيَكُونُ مَادِحًا لِلْعُبَيْدِيِّينَ مُثْنِيًا عَلَى فِعْلِهِمْ، وكَيْفَ يَكُونُ فِعْلُهُم ضَلَالَةً وَابْنُ تَيْمِيَّةَ يَقُولُ فِيهِ أَجْرٌ؟ هٰذَا بَيْنَكُم وَبَيْنَهُ. أَمَّا نَحْنُ أَهْلُ السُّنَّةِ فَلَا مَعَكُم وَلَا مَعَهُ. نَحْنُ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ نَقُولُ: إِنَّ الِاحْتِفَالَ بِالمَوْلِدِ هُوَ بِأَدِلَّةِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِجْمَاعِ، وَلَيْسَ لِأَجْلِ مَا فَعَلَهُ بَعْضُ مَنْ كَانُوا فِي مِصْرَ هذا أوْ ذَاك بَلْ إِنَّ مِنْ أَوَائِلِ مَنْ أَحْدَثَ المَوْلِدَ قَبْلَ أَنْ يُظْهِرَهُ المَلِكُ المُظَفَّرُ، العَالِمُ الفَقِيهُ الصَّالِحُ الوَلِيُّ مُلَّا عُمَر الفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ المَوْصِلِيُّ الَّذِي كَانَ فِي المَوْصِلِ، ثُمَّ بَعْدَ ذٰلِكَ أَيْضًا القَاضِي اللَّخْمِيُّ الَّذِي كَانَ فِي المَغْرِبِ، ثُمَّ بَعْدَ ذٰلِكَ مَلِكُ أَرْبِلَ كَمَا مَدَحَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَكَمَا مَدَحَهُ الذَّهَبِيُّ عَلَى فِعْلِهِ. هٰذَا كِتَابُ الذَّهَبِيِّ “سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ”، وَهٰذَا كِتَابُ ابْنِ كَثِير “البِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ”، فِيهِ مَدْحٌ عَظِيمٌ لِمَلِكِ أَرْبِلَ لأَنَّهُ أَحْدَثَ الِاحْتِفَالَ بِالمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ احْتِفَالًا هَائِلًا عَظِيمًا كَبِيرًا ضَخْمًا، وَدَعَوْا لَهُ بِأَنْ يُكْرِمَ اللهُ مَثْوَاهُ وَأَنْ يَرْحَمَهُ، وَأَنَّهُ كَانَ صَالِحًا وَكَانَ شُجَاعًا وَكَانَ وَكَانَ… فَإِذَا كَانَ هٰذَا الفِعْلُ ضَلَالَةً، وهوَ اقتِدَاءٌ لهَؤُلاءِ الذِينَ كانُوا في مِصرَ، وهوَ اقتِداءٌ بهَؤُلاءِ عَلَى زَعْمِ المُجَسِّمَةِ اليَوْمَ، فَمَاذَا تَقُولُونَ فِي زُعَمَائِكُم الثَّلَاثَةِ: ابْنِ تَيْمِيَّةَ الَّذِي قَالَ: «فِيهِ أَجْرٌ عَظِيمٌ»، وَابْنِ كَثِيرٍ وَالذَّهَبِيِّ وقَالَا: «إِنَّ أَوَّلَ مَنْ أَحْدَثَهُ عَلَى مُسْتَوَى دَوْلَةٍ وَمُلُوكٍ وَأُمَرَاءَ وَسَلَاطِينِ وَعُلَمَاءَ “مَلِكُ أَرْبِل”» مَعَ التَّرَحُّمِ عَلَيْهِ وأَجْزَلَ اللهُ لَهُ المَثُوبَةَ. فَكَيْفَ يَكُونُ ضَلَالَةً بِزَعْمِكُم وَزُعَمَائِكُم مَنْ تُحِبُّونَهُم يَمْدَحُونَ هٰذَا الفِعْلَ وَيُثْنُونَ عَلَيْهِ؟؟ أَمَّا نَحْنُ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ فَنَحْتَفِلُ بِالمَوْلِدِ لِأَدِلَّةٍ قَدَّمْنَاهَا فِي هٰذَا اللِّقَاءِ، وَلَيْسَ لِفِعْلِ فُلَانٍ أَوْ عِلَّانٍ، بَلْ لِلأَدِلَّةِ القُرْآنِيَّةِ وَالحَدِيثِيَّةِ وَالإِجْمَاعِيَّةِ. وَالرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: «سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً، مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي». مَنْ مِنَ الصَّحَابَةِ حَرَّمَ الِاحْتِفَالَ بِالمَوْلِدِ؟ لَا أَحَد. مَنْ مِنَ الصَّحَابَةِ حَرَّمَ الِاحْتِفَالَ أَوْ تَكَلَّمَ فِي هٰذِهِ القَضِيَّةِ؟ لَا أَحَد.
إِذًا، مِنْ أَيْنَ جِئْتُم بِتَحْرِيمِ المَوْلِدِ؟؟ وَنَحْنُ مَاذَا نَفْعَلُ بِالمَوْلِدِ؟ قِرَاءَةُ قُرْآنٍ، السِّيرَةُ النَّبَوِيَّةُ، قِصَّةُ المَوْلِدِ، مَوْعِظَةٌ دِينِيَّةٌ، تَوْزِيعُ طَعَامٍ وَشَرَابٍ حَلَالٍ، هٰذَا هُوَ. وَاللهُ يَقُولُ: ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
الشَّيخ الدكتور جميل حليم حَفِظَهُ اللهُ تعالى وغَفرَ اللهُ لهُ وللمُؤمِنِينَ والمُؤمِنات.
