مَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الإِسْلامَ لا يَسْمَحُ بِحُرِّيَّةِ الْعَقِيدَةِ كَمَا يَدَّعِى بَعْضُ الْجُهَّالِ

مَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الإِسْلامَ لا يَسْمَحُ بِحُرِّيَّةِ الْعَقِيدَةِ كَمَا يَدَّعِى بَعْضُ الْجُهَّالِ
      اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَنَا وَأَمَرَنَا بِعِبَادَتِهِ وَنَهَانَا عَنْ مَعْصِيَتِهِ وَأَنَّ الأَنْبِيَاءَ دَعَوُا النَّاسَ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ وَأَنْ لا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاه﴾ أَىْ أَمَرَ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاه وَقَالَ تَعَالَى ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون﴾ أَىْ إِلَّا لِآمُرَهُمْ بِعِبَادَتِى وَأَنْهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِى وَقَالَ تَعَالَى ﴿وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾ فَكَيْفَ يَقُولُ ذُو عَقْلٍ يَدَّعِى الإِسْلامَ إِنَّ الإِسْلامَ جَاءَ بِحُرِّيَّةِ الْعَقِيدَةِ وَيَسْمَحُ لِكُلِّ إِنْسَانٍ أَنْ يَدِينَ بِأَىِّ دِينٍ يَرَاهُ وَيَرْتَضِيهِ ورَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ. فَلَوْ كَانَ الإِسْلامُ يَسْمَحُ بِحُرِّيَّةِ الْعَقِيدَةِ بِمَعْنَى أَنَّ الإِنْسَانَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ الإِسْلامَ أَوْ غَيْرَهُ كَمَا يَدَّعِى هَؤُلاءِ الْجُهَّالُ مَا كَانَ قَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿لا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ﴾ فَلَيْسَ فِيهِ تَرْخِيصٌ لِلنَّاسِ أَنْ يَكْفُرُوا وَأَنْ يَعْبُدُوا غَيْرَ اللَّهِ إِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّكَ يَا مُحَمَّدُ لا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُكْرِهَ قُلُوبَ الْكُفَّارِ عَلَى الإِيمَانِ أَىْ لا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَهْدِىَ قُلُوبَهُمْ فَيُؤْمِنُوا إِنَّمَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُكْرِهَ ظَوَاهِرَهُمْ أَىْ أَنْ تُجْبِرَهُمْ بِقُوَّةِ السِّلاحِ عَلَى النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ لِأَنَّ هَذَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لَهُمْ. فَلَوْ كَانَتِ الآيَةُ لِإِبَاحَةِ الْكُفْرِ كَمَا يَزْعُمُ هَؤُلاءِ فَلِأَىِّ شَىْءٍ تَوَعَّدَ اللَّهُ الْكَافِرِينَ بِجَهَنَّمَ وَلِمَ بَعْثَ الأَنْبِيَاءَ وَالْمُرْسَلِينَ. بِعْثَةُ الأَنْبِيَاءِ فِيهَا مَصْلَحَةٌ ضَرُورِيَّةٌ لِلْعِبَادِ لِأَنَّهُمْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ مَا يُنْجِى فِى الآخِرَةِ وَمَا يُهْلِكُ. وَلْيُعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ يَقُولَ لِلْكُفَّارِ ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ﴾ أَىْ لَكُمْ دِينُكُمُ الْبَاطِلُ فَاتْرُكُوهُ وَلِىَ دِينِى الصَّحِيحُ وَهُوَ الإِسْلامُ فَاتَّبِعُوهُ فَهَذِهِ الآيَةُ فِيهَا تَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ وَلَيْسَ فِيهَا إِبَاحَةُ الْبَقَاءِ عَلَى الْكُفْرِ. وَكَذَلِكَ الآيَةُ ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ فِيهَا تَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ وَلَيْسَ فِيهَا تَخْيِيرٌ لِلإِنْسَانِ بَيْنَ أَنْ يُؤْمِنَ أَوْ يَكْفُرَ إِنَّمَا مَعْنَاهَا مَنْ يُؤْمِنُ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَمَنْ يَكْفُرُ فَلَهُ الْعَذَابُ الأَلِيمُ فِى نَارِ جَهَنَّمَ وَسِيَاقُ الآيَةِ ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ﴾ أَىْ لِلْكَافِرِينَ ﴿نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَمِمَّنْ قَالَ بِحُرِّيَّةِ الْفِكْرِ وَالْعَقِيدَةِ عَمْرُو خَالِد وَالْوَهَّابِىُّ عَدْنَانُ الْعَرْعُور وَمُحَمَّدُ مُتْوَلِّى الشَّعْرَاوِىّ وَيُوسُفُ الْقَرَضَاوِىّ. هَؤُلاءِ كَذَّبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﷺ فَهُمْ دُعَاةٌ إِلَى الْكُفْرِ وَالإِلْحَادِ فَاحْذَرُوهُمْ وَحَذِّرُوا النَّاسَ مِنْهُمْ