بيان حرمة القمار واللعب بالنرد

 بيان حرمة القمار واللعب بالنرد

قال المؤلف رحمه الله: *واللَّعِبُ بالنَّرْدِ وكُلِّ ما فيهِ قِمَارٌ حتى لَعِبُ الصِّبيَانِ بالجَوزِ والكِعابِ واللَّعِبُ بآلاتِ اللَّهوِ المُحرَّمَةِ كالطُّنبورِ والرَّبابِ والْمِزمَارِ والأوتَارِ*.

(الكعاب هو عَظمُ كَعبٍ مِنَ الغَنَم يُرمَى إلى عِظَام كثِيرَة مَصفُوفَة)

الشرح: أنّ مِنْ مُحرَّماتِ اليَدِ اللَّعِبِ بالنَّرْدِ وهو الْمُسمَّى بالنَّردَشِيرِ وهو نِسبَةٌ لأوَّلِ مُلُوكِ الفُرسِ لأنّهُ أوّلُ مَنْ وُضِعَ له، قالَ عليه الصلاةُ والسلام: “مَنْ لَعِبَ بالنَّردَشيرِ فكَأنَّما غَمَسَ يدَهُ في لحمِ خِنزيرٍ ودَمِهِ” رواه مسلم،

والمعنى في تَحريمِهِ أنّ فيهِ حَزْرًا وتَخمِينًا فيؤدّي للتّخَاصُمِ والفِتَنِ التي لا غَايةَ لها، ففُطِمَ النّاسُ عنهُ حِذارًا منَ الشُّرُورِ الْمُتَرتّبةِ عليه.

ويُقاسُ على النَّرْدِ كلُّ ما كانَ مِثلَهُ أي كلُّ لُعبةٍ كانَ الاعتِمادُ في لَعِبِها على الحَزرِ والتّخمِينِ لا على الفِكرِ والحِسابِ فهيَ حرامٌ، فخَرجَ الشِّطْرَنْج فإنّهُ ليسَ في معناهُ، لأنّ العُمدةَ فيهِ على الفِكرِ والحِسابِ قبلَ نَقْلِ الأدوات (وقال مالكٌ وأبو حنيفةَ وأحمَد بحُرمَتها أمّا الشّافعِيُّ فقَال مَكرُوهَةٌ فقَط)، وكلُّ ما يُروى في النَّهي عنهُ فهو غيرُ ثابت، قال الحافظُ ابنُ حجر العسقلانيُّ وغيرُه: “لم يثبُتْ في الشِّطْرَنْج عن النبي ﷺ شىء”، وكذلكَ ما وردَ عن عليّ رضيَ الله عنه في ذَمّهِ فهو غيرُ ثَابِتٍ،

وقيَاسُهُ على النَّردِ ممنُوع للفَرقِ بينَهُما إذْ هوَ مَوضُوعٌ لصِحَّةِ الفِكْرِ وصَوابِ التَّدبِيرِ ونِظَامِ السِّياسَةِ فهو مُعِينٌ على تَدبِيرِ الحرُوبِ والحِسَابِ، والنَّردُ مَوضُوعٌ لِما يُشبِهُ الأزلامَ.

ويَلتَحِقُ بالنَّردِ في الحُكمِ اللَّعِبُ بالأوراقِ الْمُزَوَّقةِ (وهي المعروفة في بعض البلاد اليومَ بورق الشدّة) الْمُسَمَّاةِ بالكَنْجَفَةِ أو الكَمَنْجَفَةِ فإنّها إنْ كانت بِعِوَضٍ فقِمَارٌ والقِمَارُ منَ الكَبائر وإلّا فهيَ كالنَّردِ الذي
وَردَ النَّهيُ عنهُ بوَجهِ الإطلاقِ منْ غَيرِ تَعرُّضٍ للمَالِ،

وكذَلكَ اللَّعِبُ بما فيهِ قِمارٌ وصُورَتُهُ الْمُجمَعُ عليها أن يُخرَجَ العِوضُ منَ الجانبَينِ كأن يتّفِقَ اثنانِ على أنّ الذي يَربحُ منهما في هذه اللُّعبَةِ مِنَ الآخَرِ يَدفَعُ لهُ الآخَرُ مَبلَغَ كَذا.

(القِمَار حَرامٌ مِن كبَائر الذُّنُوب، أمّا اللَّعِب بالشَّدّة وطَاولَةِ الزَّهْر والألعابِ المستَحدَثَةِ في أيّامِنا مما فيه نَرْدٌ كالتي يسَمُّونَها الدُّومِنُو والرِّيْسك والْمُونُوبّلي والبَرجِيس كما عُرِفَتْ عندَ أهلِ لُبنانَ ومَا أشبَهَ ذَلكَ مِنَ الألعَابِ التي تَعتَمِدُ على الحظّ والحَزْر والتّخمِين فهيَ منَ الصّغائر،

فإذا أضِيف إلى ذلك أن الذي يَخسَر يَدفَع للآخَر الذي يربح في مقابل ذلك مالًا صارَ قِمارا من الكبائر، ومِثلُه الذي يلعب بالآلاتِ الموجودة في بعض أماكِن اللَّهو مِن أنّه يَضَع المالَ في الآلة ويحركها ويكون فيها أرقَام وصُوَرٌ فَإن جاءَتِ الأرقامُ والصُّوَرُ المتَماثِلَةُ يَنزِلُ لهُ مَالٌ كثِيرٌ أحيَانا.

فلْيَعلم أنّ هذا المالَ لا يحل له ولا يَدخُل في مِلكه وأنّ هذا من أنواع القمار.

ومِثلُه مَا يُسَمُّونَه اليوم في بعض البلاد (اليَانَصِيب واللُّوتُو) مِن أنّه يَشتَري ورقةً فيها أرقام ثم يَعمَلُونَ سَحبًا فإذا طلَعَت الأرقامُ التي اختَارها في الوَرقة مِثل الذي طلَع بالآلة التي يُحركُونها ربِح مالًا وإلا خَسِرَ مَا دفعَه على الورقَة وما أشبَهَه.

ومِثلُه ما يَفعَلُونَه في سِبَاقِ الخَيلِ أو الجمال أو الكلاب أو نحوها من المراهنة عليها مِن أنّه يَختَار واحدًا منَ الخيل المتسَابِقَةِ فإنْ سبَق الذي اختَارَه رَبِحَ مَالًا وإلا خَسِرَ مَا دَفعَه، ومَا يَفعَلُونَه على الدُّيُوك أو الكلابِ أو غيرها منَ الحيوانات المتقَاتِلَةِ هَذا يُراهِنُ على أن هذا سيَربح ويضع مَالا والآخَرُ يُراهِنُ على الآخَر ويضَع مالًا فإنْ رَبِح الذي راهَن عليه أخَذَ المالَين وإلا خَسِرَ مَالَه

ومِثلُه إذا تقَاتَل اثنَانِ بلُعبَة مِن أنواع القِتَال فتَراهَن المشَاهِدُون على أحدِهما ودَفَعُوا مَالًا فإنْ رَبِح الذي راهَنُوا عليه أخَذُوا المالَ وإلّا خَسِرُوا مَالَهم،

ومِثلُه إذا تَراهَنُوا على بَعضِ الفِرَق الرّياضِيّة ككُرة القَدم أو السَّلّة أو السِّبَاحَة أو غَيرِها، ومِثلُه لو تَسَابَق اثنان فقالَ أحَدُهما للآخَر الذي يَسبِقُ يَدفَعُ لهُ الآخَرُ مَبلَغَ كذَا فإن سبقَه أخَذَ لهُ مالَه،

ومِثلُه الذي يُراهِنُ على فريقٍ مِن فِرَق كُرَة القدَم أو كُرة السّلّة أو غيرِها من الألعاب فإن ربِح الفَرِيقُ الذي راهَن عليه أخَذَ قَدْر المال الذي وضعَه مع الزّيادَة وإلا خَسِرَ مالَه. > علم الدين حياة الاسلام: وكم من أناس خسِروا كلَّ أموالهم بسبب ذلك وخرِبَت بيوتهم وتدمّرت حياتهُم
حفظنا الله وأهلَنا منَ الفِتَن)

(ومَن لَعِبَ بهذه الآلاتِ ووَضَع فيها قِطعَةَ مالٍ فنَزل لهُ عِدّة قِطَعٍ يَرُدُّه لصَاحِب الآلَةِ هذا إنْ كانَ صاحبُ الآلَةِ هو الذي وضَع هذا المالَ فيها، ولا يَأخُذ إلاّ قَدْرَ ما وَضَع لأنّ هذا المال الذي نزَل له لا يَدخُل في مِلكِه. واللَّعِب بهذه الآلَةِ حَرام، حُرْمَتُه ظاهِرَة. أمّا إذا كانَ الأشخاصُ الذي وضَعوا مالًا في هذه الآلة كثْرَة ولا يَعرفُهم لا هوَ ولا صاحبُ المحَلّ وكانَ صاحبُ المحَلّ لم يَضع مالًا في هذه الآلَةِ إنّما اللّاعبُون وضَعُوا فقط فهذا يأخُذ هذا المالَ ويُوزّعُه على الفقراءِ لأنّ أصحَابَه الذينَ وضَعُوا فيه لا يُعرَفون،

أمّا لو كانوا يُعرَفون يُردُّ لكُلِّ واحدٍ حِصَّتُه، وليسَ مِنَ الحِكمَةِ أن يَرميَ هذا المالَ في البَحْر. لو كانَ صاحبُ المحلِّ يَخافُ اللهَ ويُريدُ التّخلّصَ منَ الحرام يُقال لهُ: كم وضَعت في الآلةِ منَ المال، فيَقول: أنا وضَعت كذا، فيُقال له: خُذ حِصّتَك، وهذا اللّاعبُ يَأخُذُ حِصّتَه، والبَقيَّةُ تُصْرَفُ على الفقراءِ،

لكنّ صاحبَ المحَلّ فاسِقٌ يُريدُ جَمع المال بأيّ طَريقٍ كانَ، كيفَ نُصَدّقُه إذا قال أنا وضَعتُ فيها كذا.

فالحَلُّ لهذه المسألة أنّ الذي وجَد هذا المالَ يَأخُذ قَدْرَ حَقِّه والبَقيّةُ يَضعُها عندَ إنْسانٍ عادلٍ تقِيّ يَعرِف الشّريعَة ثم ذلكَ الشّخصُ يتَصرّف فيها على حسَب الشّرع.
ولا يَأخُذُ هذا اللّاعِبُ إلّا القَدرَ الذي حَطّه المرّةَ الأخِيرَة لأنّه لا يَعلَم أنّ مَا حَطّه قَبلَ ذلكَ بَعدُ موجودٌ أم لا)

الدعاء لي ولوالديا بالخير بارك الله فيكم