انشودة حبيبي كامل الأنوار
صلى الله عليه وسلم
Nov 20, 2022 2:22:58pm
إضافة الذَّنب الصَّغير غير المُنفِّر إلى نبيٍّ
بدعة أم آيات وأحاديث نبويَّة شريفة؟
الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله.
1
وبعدُ فالأنبياء عليهمُ السَّلام معصومون مِن الكُفر والكبائر وصغائر الخسَّة. واختلف أهل السُّنَّة في الصَّغائر الَّتي لا خسَّة فيها؛ فالجُمهور كما قال الفقيه سعد الدين التَّفتازانيُّ في [شرح العقائد النَّسفيَّة]: <أَمَّا الصَّغَائِرُ فَيَجُوزُ عَمْدًا عِنْدَ الجُمْهُورِ -إِلَّا مَا يَدُلُّ عَلَى الخِسَّةِ- لَكِنَّ المُحَقِّقِينَ اشْتَرَطُوا أَنْ يُنَبَّهُوا عَلَيْهِ فَيَنْتَهُوا عَنهُ. هَذَا كُلُّهُ بَعْدَ الوَحْيِ> انتهَى باختصار.
2
وقال بعض العُلماء: (الأنبياء معصومون من صغائر لا خسة فيها) مع كونها لا تُنَفِّر عن الاِتِّباع لكن لأنَّنا مأمورون بالاقتداء بالأنبياء في كُلِّ أحوالهم فلو صحَّ أنَّها تقع منهُم لصرنا مأمورين بالاقتداء بهم فيها وهذا مُمتنع. وردَّ مُحقِّقُو الجُمهور مِن العُلماء فقالوا: هذا الإشكال يزول باعتقاد أنَّ الأنبياء يتوبون مِن تلك الصَّغائر قبل أن يُقتدَى بهم فيها.
3
ثُمَّ رأينا بعض (القراقيع) مِن أهل الفتنة يزعُمون أنَّ مِن بدعة الضَّلالة إضافة الذَّنب الصَّغير الَّذي لا خسَّة فيه إلى نبيٍّ ولو مع بيان أنَّ هذا لا يصدُر مِن الأنبياء إلَّا نادرًا وأنَّهُم -أي الأنبياء- يتوبون فورًا قبل أن يُقتدَى بهم في ذلك! وهذا الكلام مِن أولئك (القراقيع) جهل عظيم لأنَّ مُؤدَّى قولهم اتِّهام نبيِّنا عليه الصَّلاة والسَّلام بارتكاب بدعة الضَّلالة.
4
فقد جاء في صحيح ابن حبَّان بسنده إلى أبي هُريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: <لَو أَنَّ اللهَ يُؤَاخِذُنِي وَعِيسَى بِذُنُوبِنَا لَعَذَّبَنَا وَلَا يَظلِمُنَا شَيئًا> إلخ.. وهذا الحديث تعدَّدت طُرُقُه وله شواهد ومَن ذَكَرَ ما صحَّ عن رسول الله مِن الأحاديث لا يكون مُبتدِعًا لمُجرَّد ذكره لفظ (ذُنوبنا) أو لفظ (لعذَّبنا) فإنَّ اللَّفظَين واردانِ بحُروفهما في الحديث.
5
ولفظ (لَعَذَّبَنَا) يزيد تأكيد مذهب الجُمهور لأنَّ الإجماع منعقد أنَّ الله تعالَى لا يُعذِّب على ترك الأَولَى، فالسَّهو والنِّسيان كما قال القاضي عياض في [الشِّفا]: <فَأَحوَالُ الأَنبِيَاءِ فِي تَركِ المُؤَاخَذَةِ بِهِ، وَكَونِهِ لَيسَ بِمَعصِيَةٍ لَهُم مَعَ أُمَمِهِم سَوَاءٌ> إلخ.. ونعم بعض العُلماء تأوَّلوا الحديث على التَّواضع لكنَّهُم لم يُبِدِّعُوا مَن ترك تأويله وحمله على ذنب صغير لا خسَّة فيه.
6
وماذا يعني إضافة الذنب إلى نبي؟ يعني ان نجد نصا شرعيا آية أو حديثا مثلا فيهما لفظ الذنب مضافا إلى نبي من الأنبياء كما في قوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} وقوله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} وقوله تعالى: {وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ} فهذه الآيات وغيرها فيها إضافة الذَّنب إلى الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامُه.
7
فهذه مِن حيث اللُّغة تُسمَّى إضافة الذَّنب إلى الأنبياء أي أُضيف لفظ الذَّنب إلى نبيٍّ جاء لفظ الذَّنب مُضافًا إلى نبيٍّ ولكن لا يجوز عند أحد مِن أهل السُّنَّة والجماعة أن يُحمَل لفظ الذَّنب المُضاف إلى الأنبياء على كُفر أو كبيرة أو خسيسة وأمَّا حملُهُ على الذَّنب الصَّغير الَّذي لا خسَّة فيه فيجوز عند أكثر عُلماء أهل السُّنَّة والجماعة مِن السَّلف الصَّالح.
8
وقد يسأل سائل: (إن كانت مسألة العصمة عن صغائر لا خسَّة فيها مسألة خلافيَّة أفلا تدعونا محبَّة النَّبيِّ وتعظيمُه إلى ترك مذهب الجُمهور في هذه المسألة؟) والجواب أنَّ أكثر علمائنا مِن السَّلف الصَّالح إنَّما قالوا بذلك لأنَّ محبَّتَهُم للنَّبيِّ وتعظيمَهُم له وصِدقَ اتِّباعهم لأقواله كُلُّ ذلك دعاهُم إلى اعتقاد ما دلَّهُم عليه الرَّسول وما فهموه مِن نُصوص شرعه الكريم.
9
فيقول الفقيه المالكيُّ الأُصوليُّ أبو الحسَن الأبياريُّ: <وقولُه: (إنَّ الصَّغائر مُختلف فِي وُقوعها مِن الأنبياء) فهُو كذلك؛ ومذهب مالك رحمه الله أنَّها واقعة مِن حيث الجُملة واستدلَّ على ذلك بقول الله عزَّ وجلَّ: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}> انتهَى وكُلُّنا يعرف أنَّ الإمام مالكًا كان مِن أعظم عُلماء الأُمَّة ولا يُتَّهَم بالتَّقصير في محبَّة النَّبيِّ أو تعظيمه.
10
وقال الإمام الماتُريديُّ في تفسيره المُسمَّى [تأويلات أهل السُّنَّة]: <وقولُه تعالَى: {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ} يحتمل وجهَين أحدُهُمَا ما قال عامَّة أهل التَّأويل علَى تحقيق الوزر له والإثم كقوله: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} وقولِه: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} يقولون: (أثبت له الذَّنب والوزر فوَضع ذلك عنه)> إلخ..
11
وماذا يعني قوله: (عامَّة أهل التَّأويل)؟ معناه أكثر مَن فسَّروا القُرآن مِن الصَّحابة والتَّابعين أثبت أنهم يقولون إنَّ الله أثبت الذَّنب والوزر في حقِّ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ومع أنَّ الماتُريديَّ كره مذهبهم لكنَّه لم يحكُم بأنَّهُم صاروا بذلك مُبتدعة.. وكيف يكون ذلك وهُو يعُدُّ فيهم ابنَ عبَّاس وهُو تُرجمان القُرآن والصَّحابيُّ الجليل رضي الله عنه.
12
والخُلاصة أنَّ قول الجُمهور ليس فيه انتقاص مِن نبيِّنا وحبيبنا صلوات الله عليه وسلامُه ومَن أخذ بقول الجُمهور لا يكون مُتَّهَمًا بمحبَّته وتعظيمه للنَّبيِّ صلوات الله عليه وسلامُه وأمَّا ما تجرَّأ عليه (قراقيع) أهل الفتنة حيث كفَّروا وبدَّعوا مَن قال بقول الجُمهور: فمُؤدَّاه تكفير عامَّة المُتقدِّمين مِن عُلماء أهل السُّنَّة والجماعة وهذه جريمة عظيمة يجب التَّحذير منها.
نهاية المقال.
Jan 04, 2023 4:28:05pm
