بيان لماذا توهَّم الجهلةُ الكثرةَ مِن لفظ (الذُّنوب)

1

اعلم وفَّقك الله أنَّ لفظ (الذُّنوب) في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: <لَو أَنَّ اللهَ يُؤَاخِذُنِي وَعِيسَى بِذُنُوبِنَا لَعَذَّبَنَا وَلَا يَظلِمُنَا شَيئًا> لا يقتضي الكثرة وإنَّما يستعمل العرب الجمع ويريدون التثنية.

2

وتوهَّم أهل الفتنة أنَّ لفظ (الذُّنوب) يقتضي الكثرة دائمًا وغاب عنهُم معرفة الاستعمالات اللُّغويَّة السَّائغة فأنكروا لفظ الذُّنوب! وإنَّما هُو مِن كلام المُصطفَى صلوات الله عليه وسلامُه.

3

فالعرب يستعملون الجمع وهُم يُريدون المُثنَّى كما قال سيبويه: (وسألت الخليل رحمه الله عن “ما أحسن وُجوهَهُما” فقال: لأنَّ الاثنين جميع وهذا بمنزلة قول الاثنين: نحن فعلنا ذاك) انتهَى.

4

وقال ابن الشجريِّ في تفسيره: (إنهم قالوا: (ما أحسن وُجوهَ الرَّجُلَين) فاستعملوا الجمع موضع الاثنين كما قال الاثنان: نحن فعلنا، و(نحن) إنما هو ضمير موضوع للجماعة) إلخ..

5

وقال ابن يعيش مِن كبار عُلماء اللُّغة: (نحو قولك: “ما أحسن رُؤوسَهُمَا” وإنَّما عبَّروا بالجمع والمُراد التَّثنية مِن حيث إنَّ التَّثنية جمع في الحقيقة، ولأنَّه ممَّا لا يُلبِس ولا يُشكل) إلخ..

6

وقال تعالَى: {إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} قال القرطبي: (يعني حفصة وعائشة) انتهَى قال أبو حيَّان: (وأتى بالجمع في قوله: {قُلُوبُكُمَا} وحسن ذلك إضافته إلى المثنى) إلخ..

7

وقال الخطيب: (مِن أفصح الكلام حيث أوقع الجمع موقع المُثنَّى استثقالًا لمجيء تثنيتين لو قيل: “قلباكُما” ومِن شأن العرب إذا ذكروا الشَّيئين مِن اثنَين جمعُوهُما لأنَّه لا يُشكل) انتهَى.

8

وكان بعض مشايخ أهل السُّنَّة ذكر لفظ (ذُنوب) خلال كلامه على حديث ابن حبَّان المذكور آنفًا وهُو حديث مرويٌّ عن أبي هُريرة رضي الله عنه وقد تعدَّدت طُرُقُه وله شواهدُ حديثيَّة أُخرَى.

9

فلمَّا سمعه الجَهَلَة المُتصولحة توهَّموا أنَّ لفظ (ذُنوب) يقتضي الكثرة فتعجَّلوا الإنكار بالبناء على الافتراء فزعموا أنَّ الشَّيخ قال: (كثيرة) فلمَّا نبَّهناهُم أنَّه لم يأتِ بهذا اللَّفظ سكت (القراقيع) خائبين.

10

هذا وغير واحد مِن عُلماء أهل السُّنَّة والجماعة استعمل لفظ (الذُّنوب) مُضافًا إلى نبيِّنا عليه الصَّلاة والسَّلام ولم يُرِدِ الكثرة فهل صاروا عندكُم مِن المُبتدعة الضَّالِّين يا (قراقيع) أهل الفتنة!

11

قال الإمام القشيري في [لطائف الإشارات]: <{وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} وفي هذا دليل على أنَّه كانت له ذُنوب> انتهَى وقال الإمام الطَّبريُّ في تفسيرها: <وسل ربَّك غُفران سالف ذُنُوبك وحادثها> انتهَى.

12

وقال الآمديُّ في [أبكار الأفكار]: <قوله تعالى مُخاطِبًا لمُحمَّد عليه صلَّى الله عليه وسلَّم: {مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} صريح فِي أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم له ذنوب> انتهَى مُختصَرًا.

13

وقال السَّمعانيُّ فِي [تفسير القُرآن]: <فإن قيل كيف أَمَرَه بالاستغفار وكان معصومًا مِن الذُّنوب والجواب أنَّه كان لا يخلو مِن الخطإ والزَّلل وبعض الذُّنوب الَّتي هي مِن الصَّغائر> انتهَى.

14

فاستعمال لفظ الذُّنوب لا يقتضي الكثرة ويكفي في تأكيد ذلك أن نبيَّنا عليه الصَّلاة والسَّلام استعمل هذا اللَّفظ وهُو لا يُريد الكثرة فمتَى يسكُت أُولئك الجاهلون عن الفتوَى بغير علم ولا هُدًى!

15

وخُلاصة هذه الحُروف تحقيق كون أهل الفتنة مِن الجَهَلَة في كُلِّ باب في العقائد والأحكام واللُّغة والنَّحو ومُصطلح الحديث والتَّفسير فلم يبقَ لهُم إلَّا التَّشدُّق الفارغ وإلقاء الكلام على عواهنه.

نهاية المقال.

Jan 08, 2023 6:50:09am