إنَّا لسنا كهيئتك يا رسول الله

بيان سبب غضب النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم

عندما قال له بعض الصَّحابة: إنَّا لسنا كهيئتك يا رسول الله

الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله.

1

وبعدُ روَى البُخاريُّ عن عائشة قالت: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا أمَرَهُم؛ أمَرَهُم مِن الأعمال بما يُطيقون. قالوا: إنَّا لسنا كهيئتك يا رسول الله إنَّ الله قد غفر لك ما تقدَّم مِن ذنبك وما تأخَّر. فيغضب حتَّى يُعرَف الغضب في وجهه ثُمَّ يقول: <أنا أتقاكُم وأعلمُكُم بالله أنا> انتَهَى.

2

فقول الصَّحابة: (إنَّا لسنا كهيئتك يا رسول الله إنَّ الله قد غفر لك..) لا يعني أنَّهُم طلبوا التَّخفيف بل طلبوا أن يأمُرَهُم بما فيه زيادة مشقَّة عليهم واحتجُّوا لذلك بأنَّ مَن لم يعرف أنَّ الله غفر له يحتاج إلى المُبالغة في العبادة بخلاف الرَّسُول فقد عَلِم أنَّ الله تعالَى غفر له فلا يحتاج مثلَهُم.

3

يقول ابن حَجَر العسقلانيُّ شارحًا: (والمعنَى كان إذا أمرَهُم بما يسهُل عليهم دُون ما يشُقُّ خشية أن يعجزُوا عن الدَّوام عليه وعَمِلَ هُو بنظير ما يأمُرُهُم به مِن التَّخفيف: طلبُوا منهُ التَّكليف بما يشُقُّ لاعتقادهم احتياجَهُم إلى المُبالغة في العمل لرفع الدَّرجات دُونهُ) انتَهَى مِن [فتح الباري].

4

ثُمَّ شرح ابن حجر سبب غضب النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: (فيغضب مِن جهة أنَّ حُصُول الدَّرجات لا يُوجب التَّقصير في العمل، بل يُوجب الازدياد شُكرًا للمُنعم الوهَّاب كما قال في الحديث الآخر أفلا أكُون عبدًا شكُورًا. وإنَّما أمرَهُم بما يسهُل عليهم ليُداومُوا عليه) انتَهَى.

5

يعني أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم غضب لأنَّ ما قالوه ليس بلازم وذلك أنَّ عُلُوَّ الدَّرجة لا ينبغي أن يدعوَ العبدَ إلى الكسل والتَّقصير في أداء الطَّاعات، وحيث غفر الله تعالَى للنَّبيِّ ما تقدَّم مِن ذنبه وما تأخَّر فإنَّه يُحِبُّ أن يكون عبدًا شكورًا فيزيد في أداء الطَّاعات ولا يُقصِّر في عبادة ربِّه.

6

وأمَّا مَن قال لا أتزوَّج أبدًا ومَن قام اللَّيل فلم ينم مُطلَقًا ومَن صام الدَّهر فلم يُفطر: فهؤُلاء ليسوا على طريقة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فإنَّه لا يفعل ذلك مع كونه أتقَى النَّاس وأعلم النَّاس وأفضل النَّاس وأعلى النَّاس درجة ومرتبة ومنزلة صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم.

7

روَى البُخاريُّ أنَّه قال رهط: (أين نحن مِن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبه وما تأخَّر) وذلك أنَّهُم لمَّا سألوا عن عبادة النَّبيِّ وجدُوها قليلةَ! (قال أحدُهُم أمَّا أنا فإنِّي أُصلِّي اللَّيل أبدًا وقال آخَرُ أنا أصُوم الدَّهر ولا أُفطر وقال آخَرُ أنا أعتزل النِّساء فلا أتزوَّج أبدًا).

8

فردَّ عليهمُ النَّبيُّ مُعلِّمًا: (إنِّي لأخشاكُم لله وأتقاكُم له لكنِّي أصُوم وأُفطر وأُصلِّي وأرقُد وأتزوَّج النِّساء) أي مع كونه أتقَى النَّاس وأفضل النَّاس إلَّا أنَّه يُفطر ليتقوَّى على الصَّوم وينام ليتقوَّى على القيام ويتزوَّج لكسر الشَّهوة ووقاية النَّفس فمَن لم يرضَ بذلك فليس على طريقة النَّبيِّ.

9

وهذه سيِّدَتُنا عائشة رضي الله عنها لمَّا كان النَّبيُّ يقوم اللَّيل حتَّى تتفطَّر قدماه قالت له: لمَ تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدَّم مِن ذنبك وما تأخَّر؟ قال: <أفلا أُحبُّ أن أكون عبدًا شكورًا> مُتَّفق عليه.. فلم يغضب النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لأنَّها ظنَّت أنَّ له ذنبًا غفره الله له.

10

فقد أخطأ مَن توهَّم أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم غضب لأنَّ الصَّحابة ظنُّوا أنَّ له ذنبًا! وذلك أنَّ الصَّغيرة الَّتي لا خسَّة فيها جائزة على الأنبياء في مذهب الجُمهور. وهي كما قال أبو العبَّاس المغربيُّ المالكيُّ في [شرح المقاصد]: (ليس ممَّا يُنَفِّر عنِ الاتِّباع ولا ممَّا يُوجب عقوبة الأنبياء) انتَهَى.

نهاية المقال.

Jan 17, 2023 10:56:42am

قصيدة في هجاء أهل الفتنة

الَّذين قالوا بصحَّة القول بنُبُوَّة إخوة يوسُف عليه السَّلام

  1. (يَا مَن زَعَمتُم أَنَّ إِخوَةَ يُوسُفٍ

^^~ بِالرُّغمِ مِن فُحشٍ أَتَوهُ أَنبِيَاء)

  • وَأَبُوهُمُ يَعقُوبُ كَانَ نَبِيَّهُم

^^~ ابنَ النَّبِيِّ ابنِ النَّبِيِّ عَلَى اهتِدَاء

  • قَالُوا: (أَبَانَا فِي ضَلَالٍ) ظَاهِرٍ

^^~ كَيفَ النُّبُوَّةُ عِندَكُم فِي هَؤُلَاء!

  • أَحَسِبتُمُ مَا أَطلَقُوهُ قُربَةً

^^~ فَكَأَنَّهُ يَا دُونُ مَدحٌ أَو ثَنَاء

  • وَرَمَوا أَخَاهُم قَعرَ بِئرٍ مُظلِمٍ

^^~ وَأَخُوهُمُ واللهِ بَرٌّ ذُو وَفَاء

  • فَجَعَلتُمُوهُم مِثلَهُ فِي رُتبَةٍ

^^~ وَجَعَلتُمُوهُم أَنبِيَاءَ عَلَى السَّوَاء

  • كَذَبُوا وَقَالُوا: (الذِّئبُ) آكِلُهُ فَهَل

^^~ صَدَّقتُمُ مَا كَذَّبُوا يَا  أغبِيَاء

  • كَم مِن نَبِيٍّ كَاذِبٍ فِي دِينِكُم

^^~ يَأتِيهِ جِبرِيلٌ بِوَحيٍ مِن سَمَاء!

  • فَعَلَى النُّبُوَّةِ تَفتَرُونَ ضَلَالَةً

^^~ فَكَلَامُكُم فِي دِينِنَا مَحضُ افتِرَاء

  1. جَوَّزتُمُ فِي الأَنبِيَاءِ كَبَائِرًا

^^~ فَبِمِثلِكُم وَاللهِ قَد صَحَّ الهِجَاء

  1. وَصَغِيرَةٌ نَزَّهتُهَا عَن خِسَّةٍ

^^~ كَفَّرتُمُ الجُمهُورَ فِيهَا يَا هَبَاء

  1. وَلَقَد عَلِمتُ بِأَنَّ إِخوَةَ يُوسُفٍ

^^~ تَابُوا وَمَا تُبتُم فَأَنتُم فِي عَمَاء

  1. يَا أَيُّهَا المُتَصَولِحُونَ رَأَيتُكُم

^^~ فِي شِدَّةٍ وقُلُوبُكُم مِثلُ الهَوَاء

….

فائدة:

اعلَم أنَّ مَن نسب الكذب إلى الأنبياء قبل النُّبُوَّة أو بعدها فقد نسب إليهم ما يُناقض مدلول المُعجزة وأضاف إليهم ما يُزري بهم ويُحَقِّرُهُم ويُنَفِّر منهُم ومَن جوَّز ذلك على الأنبياء لا يكون مُسلمًا. قال القاضي عياض: <وَبِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيهِمُ الكَذِبُ قَبلَ النُّبُوَّةِ وَلَا الِاتِّسَامُ بِهِ فِي أُمُورِهِم وَأَحوَالِ دُنيَاهُم لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ يزرِي وَيُرِيبُ وَيُنَفِّرُ القُلُوبَ عَن تَصدِيقِهِم بَعدُ> انتَهَى.

وقد ثبت في القُرآن نسبة الكذب إلى إخوة يوسُف عليه السَّلام فلا يصحُّ القول بنُبُوَّتهم؛ بل والقول بنُبُوَّتهم بعد ذلك فيه تجويز الكذب على الأنبياء وهذا لا خلاف في كونه كُفرًا. وقد عَلِمنَا أنَّ أهل الفتنة يزعُمون أنَّه يصحُّ القول بنُبُوَّة إخوة يوسُف بالرُّغم مِن الفواحش الَّتي وقعوا فيها فصحَّ أن نهجُوَهُم بعد أن ثبت في حقِّهم الطَّعن بالنُّبُوَّة والعياذ بالله تعالَى.

انتَهَى.

January 20 at 2:41 AM