التَّدبير لجميع المخلوقين لا يكون إلَّا لله تعالى

التَّدبير لجميع المخلوقين لا يكون إلَّا لله تعالى

طَلَبُ ما لا يكونُ لغيرِ اللهِ: كُفرٌ وشِركٌ

لا يملك كُلَّ المخلوقات إلَّا الله سُبحانه وتعالى

فائدة مِن كلام القرافيِّ المالكيِّ

الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله.

1

وبعدُ فقد خلط أهل الفتنة بين التَّوسُّل بالنَّبيِّ وبين الشِّرك بالله فزعم بعض خُبثائهم أنَّ مِن التَّوسُّل المشروع أنْ يُقال إنَّ النَّبيَّ يعلم الغيب وما في الصُّدور وإنَّه هُو مالك المُلْك وإنَّ الكون كاملًا تحت قبضته وله الحُكْم والقضاء بين الخلائق يومَ القيامة وحدَه! وكُلُّ هذا ممَّا لا يختلف مُسلمانِ ولو كانَا جاهلَين في كونه كُفرًا بالله وشِركًا والعياذ بالله تعالى.

2

وانطلق الخُبثاء مِن الخلط المذكور آنفًا ليُدافعوا عن الكُفر وليفتحوا لجَهَلَة العامَّة أبواب الكُفر والشِّرك والعياذ بالله؛ وسكت عامَّة أهل الفتنة عن إنكار ما افتراه بعضُهُم في دين الله فانكشف بذلك لكُلِّ مُنصف أنَّهُم قوم مُفترون لا غيرة عند أيٍّ منهُم على الإسلام والعقيدة الحقَّة ونحن بإذن الله تعالى نُبَيِّن أحوالهُم على حقيقتها ونرُدُّ شُبُهاتهم بالحُجَّة والدَّليل والبُرهان.

3

فالتَّوسُّل بالنَّبيِّ هُو أنْ يطلُب المُسلم مِن الله عزَّ وجلَّ حُصول منفعة أو اندفاع مضرَّة إكرامًا للنَّبيٍّ بذكر اسمه صلَّى الله عليه وسلَّم كأنْ يقول: “اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ” ثُمَّ تذكُر حاجتك وتقول: “لِتُقْضَى لِي” أمَّا أنْ يُقال إنَّ النَّبيَّ هُو مالك الكون كُلِّه وإنَّه هُو المُدبِّر لجميع المخلوقين يقضي ويحكُم بينهُم وحدَه فهذا شرك وليس تُوسُّلًا مشروعًا.

4

وقد نصَّ العُلماء أنَّ مَن طَلَبَ ما لا يكون لغير الله فقد كَفَر لأنَّ طلب ذلك يكون طَلَبًا للشَّرِكة مع الله سُبحانه وتعالى عمَّا يقول الظَّالمون عُلُوًّا كبيرًا فلا يجوز أنْ يسأل العبد ربَّه أنْ يكون شريكه في المُلك ولا أنْ يُملِّكه كُلَّ الكَون يحكُم فيه بما يشاء لأنَّ هذا ممَّا لا يكون لغير الله تعالى.

5

قال القرافيُّ -فقيه مالكيٌّ- في [الفُروق]: <الثَّاني أنْ تعظُم حماقة الدَّاعي وتجرُّؤُه فيسألُ اللهَ تعالى أنْ يُفوِّض إليه مِن أُمُور العالم ما هُو مُختصٌّ بالقُدرة القديمة والإرادة الرَّبَّانيَّة مِنَ الإيجاد والإعدام والقضاء النَّافذ المُحتَّم وقد دلَّ القاطع العقليُّ على استحالة ثُبُوت ذلك لغير الله تعالى فيكُون طلبُ ذلك طلبًا لِلشَّرِكَةِ مع الله تعالى في المُلك وهُو كُفر> إلخ..

6

وهل يقول بذلك أحَد مِن المُنتسبين إلى الإسلام؟ أجاب القرافيُّ فقال: <وقد وقع ذلك لجماعة مِن جُهَّال الصُّوفيَّة فيقولون فُلان أُعْطِيَ كلمة (كُن) ويسألون أنْ يُعْطَوْ كلمة (كُن) الَّتي في قوله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} وما يعلمون معنى هذه الكلمة في كلام الله تعالى ولا يعلمون ما معنى إعطائها إنْ صحَّ أنَّها أُعْطِيَتْ> إلخ..

7

وأهل الفتنة خُبثاء يُخاطبون جَهَلَة العامَّة بما لا يفقهون فيَهلِكون ويُهلِكون والعياذ بالله وقد حذَّر الفقيه القرافيُّ مِن ذلك فقال: <وهذه أغوار بعيدة الرَّوْم على العُلماء المُحصِّلِين فضلًا عنِ الصُّوفيَّة المُتخرِّصين فيَهْلِكُونَ مِن حيث لا يشعُرون ويعتقدون أنَّهُم إلى الله تعالى مُتقرِّبون وهُم عنه مُتباعدون عَصَمَنَا الله تعالى مِنَ الفتن وأسبابها والجهلات وشُبَهِهَا> انتهى.

8

وقد يسألني البعض: هل كُلُّ أهل الفتنة قالوا بهذه المقولة الكُفريَّة؟ والجواب: لا ولكن مَن لم يقُل منهُم بها فقد سكت وبعضُهُم شجَّع وحرَّض على ذلك والعياذ بالله فهُم بين مُنتهض للدِّفاع عن الشِّرك يفتح أبواب الكُفر للنَّاس وبين مُحرِّض له على ذلك وبين شيطان أخرس ساكت عن الحقِّ وقد انكشف نفاقُ الكُلِّ لكُلِّ مُنصف عاقل يأخُذ بالدَّليل الشَّرعيِّ لا غير.

انتهى. Feb 3, 2021, 2:51 AM