كلام الحافظ ابن حجر حول نسبة الصوت لله

كلام الحافظ ابن حجر حول نسبة الصوت لله

لقد بين الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري أن الصوت لا يصح نسبته لله عز وجل فقال في الجزء 1 صحيفة 174 ما نصه:” ونظر البخاري أدقّ من أن يعترض عليه بمثل هذا فإنّه حيث ذكر الارتحال فقط جزم به لأن الإسناد حسن وقد اعتضد، وحيث ذكر طرفا من المتن لم يجزم به – بل مرّضه – لأن لفظة الصوت مما يتوقف في إطلاق نسبته إلى الرب ويحتاج إلى تأويل فلا يكفي فيه مجيء الحديث من طريق مختلف فيها ولو اعتضدت. ومن هنا يظهر شفوف علمه لدقة نظره وحسن تصرفه رحمه الله تعالى. انتهـى كلام الحافظ من الفتح.

1-أما ما قاله الحافظ ابن حجر في الفتح : ““قوله ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب“ حمله بعض الأئمة على مجاز الحذف أي يأمر من ينادي فاستبعده من أثبت الصوت بأن في قوله يسمعه من بعد إشارة إلى أنه ليس من المخلوقات لأنه لم يعهد مثل هذا فيهم وبأن الملائكة إذا سمعوه صعقوا وإذا سمع بعضهم بعضا لم يصعقوا“. قال: ”فعلى هذا فصوته سبحانه وتعالى صفة من صفات ذاته لا يشبه صوت غيره إذ ليس يوجد شيء من صفاته في صفات المخلوقين قال وهكذا قرره المصنف يعني البخاري في كتابه خلق الأفعال“” انتهى

فقد بين الحافظ ابن حجر مذهب علماء أهل السنة وعبر عنه بأنه مذهب بعض الأئمة. ثم نقل بعد ذلك مذهب مجسمة الحنابلة وحججهم في اثبات الصوت فقال: ” فاستبعده من أثبت الصوت بأن في قوله يسمعه من بعد إشارة إلى أنه ليس من المخلوقات لأنه لم يعهد مثل هذا فيهم وبأن الملائكة إذا سمعوه صعقوا وإذا سمع بعضهم بعضا لم يصعقوا” انتهى

ثم نقل عن بعض هؤلاء المجسمة مقالته في بيان رأيه وفيما نسبه للإمام البخاري, وقد صدر الحافظ ابن حجر كلامه بأداة الحكاية “قال”. فذلك الكلام هو لبعض مجسمة الحنابلة و ليس لابن حجر كما توهمه بعضهم بل هو مجرد ناقل. و نص عبارة ابن حجر: ” قال – أي ذلك المجسم -: فعلى هذا فصوته سبحانه وتعالى صفة من صفات ذاته لا يشبه صوت غيره إذ ليس يوجد شيء من صفاته في صفات المخلوقين, قال: وهكذا قرره المصنف يعني البخاري في كتابه خلق الأفعال” انتهى

2- ثم ذكر الحافظ ابن حجر نقلا آخر عن بعض من يثبت أحاديث الصوت ويعبر عنه بأنه صوت غير قائم بذاته ونص عبارته: ” وقال غيره : معنى يناديهم يقول, وقوله بصوت أي مخلوق غير قائم بذاته, والحكمة في كونه خارقا لعادة الأصوات المخلوقة المعتادة التي يظهر التفاوت في سماعها بين البعيد والقريب هي أن يعلم أن المسموع كلام الله كما أن موسى لما كلمه الله كان يسمعه من جميع الجهات “. انتهى

ثم ذكر الحافظ ابن حجر كلام مصحح أحاديث الصوت في مناقشة الحافظ البيهقي ونص عبارته: ” وقال البيهقي : الكلام ما ينطق به المتكلم وهو مستقر في نفسه كما جاء في حديث عمر” ثم وضح الحافظ ابن حجر كلام البيهقي بقوله: ” يعني في قصة السقيفة ، وقد تقدم سياقه في كتاب الحدود ، وفيه : وكنت زورت في نفسي مقالة ، وفي رواية : هيأت في نفسي كلاما ” انتهى
ثم واصل ابن حجر نقل كلام البيهقي على لسان مثبت أحاديث الصوت ونص عبارته: ” قال : فسماه كلاما قبل التكلم به ، قال : فإن كان المتكلم ذا مخارج سمع كلامه ذا حروف وأصوات ، وإن كان غير ذي مخارج فهو بخلاف ذلك ، والباري عز وجل ليس بذي مخارج ، فلا يكون كلامه بحروف وأصوات ، فإذا فهمه السامع تلاه بحروف وأصوات. ثم ذكر حديث جابر عن عبد الله بن أنيس وقال : اختلف الحفاظ في الاحتجاج بروايات ابن عقيل لسوء حفظه ولم يثبت لفظ الصوت في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم غير حديثه فإن كان ثابتا فإنه يرجع إلى غيره ، كما في حديث ابن مسعود يعني الذي قبله ، وفي حديث أبي هريرة يعني الذي بعده : أن الملائكة يسمعون عند حصول الوحي صوتا فيحتمل أن يكون الصوت للسماء أو للملك الآتي بالوحي أو لأجنحة الملائكة ، وإذا احتمل ذلك لم يكن نصا في المسألة ، وأشار في موضع آخر أن الراوي أراد فينادي نداء فعبر عنه بقوله ” بصوت ” انتهى

ثم عقب ذلك الشخص الذي يثبت أحاديث الصوت على كلام البيهقي بقوله: ” وهذا حاصل كلام من ينفي الصوت من الأئمة ، ويلزم منه أن الله لم يسمع أحدا من ملائكته ورسله كلامه ، بل ألهمهم إياه وحاصل الاحتجاج للنفي : الرجوع إلى القياس على أصوات المخلوقين لأنها التي عهد أنها ذات مخارج, ولا يخفى ما فيه ؛ إذ الصوت قد يكون من غير مخارج كما أن الرؤية قد تكون من غير اتصال أشعة كما سبق سلمنا ، لكن نمنع القياس المذكور . وصفات الخالق لا تقاس على صفة المخلوق ،واذا ثبت ذكر الصوت بهذه الأحاديث الصحـــيـــحــة وجب الإيمان به ، ثم إما التفويض وإما التأويل ، وبالله التوفيق” انتهى

فكل هذا الكلام هو لبعض من يصحح أحاديث الصوت و يصرح بأن الصوت غير قائم بذات الله وهو خارق للعادة خلقه الله من غير المخارج المعتادة لذلك فهو يوجب الإيمان به. ويرد كلامه أن القول بأن من الصوت ما هو قديم و منه ما هو حادث جمع بين متناقضين فهو كالقول بأن الله جسم لا كالأجسام و قد كفر الإمام أحمد قائل ذلك كما ذكر ذلك صاحب الخصال من الحنابلة.

والغريب كيف ينسب بعضهم هذا الكلام لابن حجر كابن النجار في شرح الكوكب المنير حيث قال: “وَلِهَذَا قَالَ الْحَافِظُ الْعَلاَّمَةُ ابْنُ حَجَرٍ: قَدْ صَحَّتْ الأَحَادِيثُ بِذَلِكَ – أي أحاديث الصوت -. فَمَا بَقِيَ إلاَّ التَّسْلِيمُ أَوْ التَّأْوِيلُ ، فَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَدْفَعَ حَدِيثَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَقُولَ: بِعَقْلِهِ هَذِهِ الأَحَادِيثُ مُشْكِلَةٌ، وَيَلْزَمُ مِنْهَا الْمَحْذُورُ الْعَظِيمُ. فَيَتْبَعُ قَوْلَ هَذَا، أَوْ قَوْلَ مَنْ اتَّبَعَ الأَحَادِيثَ عَلَى حُكْمِ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى اللاَّئِقَةِ بِجَلالِهِ وَعَظَمَتِهِ! بَلْ قَدْ صَرَّحَ أَحْمَدُ فِي غَيْرِ رِوَايَةٍ مَنْصُوصَةٍ بِجَمِيعِ ذَلِكَ. وَإِذَا نَظَرَ الْمُنْصِفُ فِي كَلامِ الْعُلَمَاءِ الْمُقْتَدَى بِهِمْ. وَاطَّلَعَ عَلَى مَا قَالُوهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلِمَ الْحَقَّ وَعَذَرَ الْقَائِلَ، وَأَحْجَمَ عَنِ الْمَقَالاتِ الَّتِي لا تَلِيقُ بِمُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَقِدَهَا فِي مُسْلِمٍ، وَعَلِمَ أَنَّ هَذِهِ مِنْ جُمْلَةِ مَسَائِلِ الصِّفَاتِ”. انتهى

و كلامه لا يعتد به لأن الحافظ ابن حجر قد مرّض حديثا من جهة ورود لفظة الصوت فقال : ” وحيث ذكر – أي البخاري – طرفا من المتن لم يجزم به بل مرّضه لأن لفظة الصوت مما يتوقف في إطلاق نسبته إلى الرب ويحتاج إلى تأويل فلا يكفي فيه مجيء الحديث من طريق مختلف فيها ولو اعتضدت”.انتهى فكيف يناقض نفسه و يقول ” واذا ثبت ذكر الصوت بهذه الأحاديث الصحـــيـــحــة وجب الإيمان به” ؟ 

نقض دعوى أن الحافظ ابن حجر قال عن كلام الله أنه بحرف وصوت

أ- الاقتباس الأول:

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: “قال ابن بطال: ” استدل البخاري بهذا على أن قول الله قديم لذاته قائم بصفاته لم يزل موجودا به ولا يزال كلامه لا يشبه المخلوقين خلافا للمعتزلة التي نفت كلام الله وللكلابية في قولهم هو كناية عن الفعل والتكوين وتمسكوا بقول العرب: “قلت بيدي هذا” أي حركتها واحتجوا بأن الكلام لا يعقل الا بأعضاء ولسان والباري منزه عن ذلك فرد عليهم البخاري بحديث الباب والآية وفيه انهم إذا ذهب عنهم الفزع قالوا لمن فوقهم: “ماذا قال ربكم” فدل ذلك على أنهم سمعوا قولا لم يفهموا معناه من أجل فزعهم فقالوا: “ماذا قال” ولم يقولوا ماذا خلق. وكذا أجابهم من فوقهم من الملائكة بقولهم قالوا الحق والحق أحد صفتي الذات التي لا يجوز عليها غيره لأنه لا يجوز على كلامه الباطل فلو كان خلقا أو فعلا لقالوا خلق خلقا انسانا أو غيره. فلما وصفوه بما يوصف به الكلام لم يجز ان يكون القول بمعنى التكوين”. انتهى

•التعقيب: ذكر هنا ابن حجر أن ابن بطال، أحد شراح البخاري، نقل عن البخاري أنه كان يعتقد بأن كلام الله قديم لقدم ذاته تعالى قائم به كسائر صفاته، وأن كلامه لا يشبه كلام المخلوقين، أي أن كلام الله ليس بحرف وصوت وتعاقب أحرف.

ثم نقل ابن بطال مقالات المعتزلة والكلابية في مسألة صفة الكلام، وأنهم خالفوا ما ذكره البخاري بحسب رأيه. فذكر ان المعتزلة نفوا صفة الكلام عن الله تعالى، وهذا واضح من مقالاتهم. وأما الكلابية فنسب اليهم أنهم قالوا أن كلام الله هو كناية عن الفعل والتكوين. وهذا الذي نقله ابن بطال عن الكلابية باطل، لذلك تتبعه ابن حجر بقوله: “وهذا الذي نسبه للكلابية بعيد من كلامهم وانما هو كلام بعض المعتزلة فقد ذكر البخاري في خلق أفعال العباد عن أبي عبيد القاسم بن سلام ان المريسي قال في قوله تعالى “انما قولنا لشئ إذا أردناه ان نقول له كن فيكون” هو كقول العرب: “قالت السماء” فأمطرت، وقال الجدار هكذا، إذا مال، فمعناه قوله إذا أردناه، إذا كوناه. وتعقبه أبو عبيد بأنه أغلوطة، لان القائل إذا قال: “قالت السماء” لم يكن كلاما صحيحا حتى يقول “فأمطرت”، بخلاف من يقول:” قال الانسان” فإنه يفهم منه أنه قال كلاما، فلولا قوله: فأمطرت، لكان الكلام باطلا، لان السماء لا قول لها فإلى هذا أشار البخاري”. انتهى

ب- الاقتباس الثاني:

ثم قال ابن حجر: “قال البيهقي في كتاب الاعتقاد: القرآن كلام الله وكلام الله صفة من صفات ذاته وليس شئ من صفات ذاته مخلوقا ولا محدثا ولا حادثا. قال تعالى: :انما قولنا لشئ إذا أردنا ان نقول له كن فيكون” فلو كان القرآن مخلوقا لكان مخلوقا بكن، ويستحيل ان يكون قول الله لشئ بقول لأنه يوجب قولا ثانيا، وثالثا فيتسلسل وهو فاسد. وقال الله تعالى:” الرحمن علم القرآن خلق الانسان” فخص القرآن بالتعليم لأنه كلامه وصفته وخص الانسان بالتخليق لأنه خلقه ومصنوعه ولولا ذلك لقال خلق القرآن والانسان. وقال الله تعالى: “وكلم الله موسى تكليما”، ولا يجوز ان يكون كلام المتكلم قائما بغيره، وقال تعالى: “وما كان لبشر ان يكلمه الله الا وحيا” الآية، فلو كان لا يوجد الا مخلوقا في شئ مخلوق لم يكن لاشتراط الوجوه المذكورة في الآية معنى، لاستواء جميع الخلق في سماعه من غير الله فبطل قول الجهمية انه مخلوق في غير الله، ويلزمهم في قولهم إن الله خلق كلاما في شجرة كلم به موسى ان يكون من سمع كلام الله من ملك أو نبي أفضل في سماع الكلام من موسى ويلزمهم أن تكون الشجرة هي المتكلمة بما ذكر الله انه كلم به موسى وهو قوله “انني انا الله لا اله الا انا فاعبدني” وقد أنكر الله تعالى قول المشركين: ان هذا الا قول البشر، ولا يعترض بقوله تعالى: “انه لقول رسول كريم” لان معناه قول تلقاه عن رسول كريم كقوله تعالى فأجره حتى يسمع كلام الله، ولا بقوله انا جعلناه قرآنا عربيا لان معناه سميناه قرآنا، وهو كقوله: “وتجعلون رزقكم انكم تكذبون”. وقوله “ويجعلون لله ما يكرهون”وقوله: “ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث” فالمراد أن تنزيله إلينا هو المحدث لا الذكر نفسه وبهذا احتج الإمام أحمد”. انتهى

•التعقيب: ابن حجر نقل هنا كلام الحافظ البيهقي، -وهو رأس من رؤوس الأشاعرة- كالموافق له، وأن القرآن يطلق ويراد به كلام الله الذي هو صفة من صفات ذاته، وهو ليس بمخلوق ولا محدث ولا حادث. وذكر أن القرٱن يُطلق ويراد به أيضا اللفظ المنزل المكتوب في المصاحف، واحتج بكلام الامام أحمد حين قال: ان تنزيله إلينا هو المحدث لا الذكر نفسه”.

ج- الاقتباس الثالث: ثم قال ابن حجر : “وقال ابن حزم في الملل والنحل: أجمع أهل الاسلام على أن الله تعالى كلم موسى وعلى ان القرآن كلام الله وكذا غيره من الكتب المنزلة والصحف ثم اختلفوا فقالت المعتزلة ان كلام الله صفة فعل مخلوقة وانه كلم موسى بكلام أحدثه في الشجرة وقال أحمد ومن تبعه كلام الله هو علمه لم يزل وليس بمخلوق وقالت الأشعرية كلام الله صفة ذات لم يزل وليس بمخلوق وهو غير علم الله وليس لله الا كلام واحد. واحتج لأحمد بأن الدلائل القاطعة قامت على أن الله لا يشبهه شئ من خلقه بوجه من الوجوه فلما كان كلامنا غيرنا وكان مخلوقا وجب ان يكون كلامه سبحانه وتعالى ليس غيره وليس مخلوقا وأطال في الرد على المخالفين لذلك”. انتهى

•التعقيب: نسب ابن حزم للمعتزلة القول بان كلام الله صفة فعل مخلوقة وانه كلم موسى بكلام أحدثه في الشجرة.

ونسب للإمام أحمد أحمد، أن كلام الله هو علمه لم يزل وليس بمخلوق. وهذا الكلام الذي نسبه للامام أحمد غير ثابت عنه. بل جعل ابن حزم هذا القول هو قول الامام أحمد وعامة أهل السنة، ولذلك قال ابن حجر: “واحتج لأحمد بأن الدلائل القاطعة قامت على أن الله لا يشبهه شئ من خلقه بوجه من الوجوه، فلما كان كلامنا غيرنا وكان مخلوقا وجب ان يكون كلامه سبحانه وتعالى ليس غيره”.

كما نسب ابن حزم للأشعرية القول بأن كلام الله صفة لذات الله قائمة به وليست بمخلوقة وهو غير علم الله وليس لله الا كلام واحد. وهو صريح مذهبهم.

د- الاقتباس الرابع: ثم قال ابن حجر: “وقال غيره: اختلفوا فقالت الجهمية والمعتزلة وبعض الزيدية والامامية وبعض الخوارج:” كلام الله مخلوق خلقه بمشيئته وقدرته في بعض الأجسام كالشجرة حين كلم موسى. وحقيقته قولهم إن الله لا يتكلم وان نسب إليه ذلك فبطريق المجاز.

وقالت المعتزلة: يتكلم حقيقة، لكن يخلق ذلك الكلام في غيره.

وقالت الكلابية: الكلام صفة واحدة قديمة العين لازمة لذات الله كالحياة وانه لا يتكلم بمشيئته وقدرته وتكليمه لمن كلمه، انما هو خلق إدراك له يسمع به الكلام ونداءه لموسى لم يزل لكنه أسمعه ذلك النداء حين ناجاه ويحكى عن أبي منصور الماتريدي من الحنفية نحوه لكن قال: خلق صوتا حين ناداه فأسمعه كلامه، وزعم بعضهم ان هذا هو مراد السلف الذين قالوا إن القرآن ليس بمخلوق وأخذ بقول ابن كلاب، القابسي والأشعري وأتباعهما وقالوا إذا كان الكلام قديما لعينه لازما لذات الرب وثبت أنه ليس بمخلوق فالحروف ليست قديمة لأنها متعاقبة وما كان مسبوقا بغيره لم يكن قديما والكلام القديم معنى قائم بالذات لا يتعدد ولا يتجزأ بل هو معنى واحد ان عبر عنه بالعربية فهو قرآن أو بالعبرانية فهو توراة مثلا.

وذهب بعض الحنابلة وغيرهم إلى أن القرآن العربي كلام الله وكذا التوراة وان الله لم يزل متكلما إذا شاء وانه تكلم بحروف القرآن وأسمع من شاء من الملائكة والأنبياء صوته وقالوا ان هذه الحروف والأصوات قديمة العين لازمة الذات ليس متعاقبا بل لم تزل قائمة بذاته مقترنة لا تسبق والتعاقب انما يكون في حق المخلوق بخلاف الخالق “. انتهى

•التعقيب: بعد أن ذكر ابن حجر ما قاله ابن حزم، نقل عن أحد المتكلمين مقالات الفرق الاسلامية، ويلاحظ كيف أنه نقل عن الجهمية وبعض المعتزلة قولهم بأن الله لا يتكلم، وهو يخلق الكلام بمشيئته وقدرته في بعض الأجسام. فهؤلاء معطلة، عطلوا صفات الذات.

ونقل عن بعض المعتزلة قولهم باثبات كلام لله تعالى، وقولهم بأنه يخلق الكلام في غيره.

ثم نقل هذا المتكلم المجهول عن الأشعرية والكلابية توافقهم في صفة الكلام،

وأن كلام الله واحد لا يتعدد ولا يتجزأ، وهو قديم قائم بذاته، ليس حرفا ولاصوتا، و لا يتعلق بقدرته ومشيئته.

ونقل هذا المتكلم عن بعض الحنابلة – وليس جميعهم- القول بأنه كلام الله تابع لمشيئته، وانه يتكلم بحروف وأصوات قديمة لا تعاقب فيها.

والحق أن بعض الحنابلة قالوا أيضا بأن الله يتكلم بصوت قديم لا بحروف.

هـ- الاقتباس الخامس: ثم نقل ابن حجر عن أحد المتكلمين أنه قال: ” وذهب أكثر هؤلاء إلى أن الأصوات والحروف هي المسموعة من القارئين وأبي ذلك كثير منهم فقالوا ليست هي المسموعة من القارئين”. انتهى

•التعقيب: نقل ابن حجر عن أحد المتكلمين أن أكثر الحنابلة قالوا بأن الأصوات والحروف هي المسموعة من القارئين، وهذا فيه اشارة لمذهب بعض الحنابلة الذين وافقوا الأشعرية في نفي الصوت والحروف عن الله وأنها فقط المسموعة من القراء. وأنكر كثير منهم هذا القول، وهؤلاء أغلبهم الذين مالوا لمذهب التجسيم.

و- الاقتباس السادس: واصل ابن حجر نقل قول أحد المتكلمين الذي قال: “وذهب بعضهم إلى أنه متكلم بالقرآن العربي بمشيئته وقدرته بالحروف والأصوات القائمة بذاته وهو غير مخلوق، لكن الله لم يتكلم لامتناع وجود الحادث في الأزل فكلامه حادث في ذاته لا مُحدث. وذهب الكرامية إلى أنه حادث في ذاته ومحدث”. انتهى

•التعقيب السادس: ذكر بعض المتكلمين أن بعض الحنابلة ذهبوا للقول بأن الله تكلم بالقرٱن باللغة العربية بمشيئته وقدرته بالحروف والأصوات القائمة بذاته وهو غير مخلوق لكنه في الأزل لم يشأ الكلام، ثم تكلم بمشيئته فكلامه حادث والحادث هو ما وجد بعد العدم، بشرط كونه منفصلا عن ذات الله، فهؤلاء يقولون أن كلامه حادث الٱحاد، وليس بمحدث، والمحدث هو ما وجد بعد العدم، بشرط كونه متصلا بذات الله، أي أنه قديم النوع.

وذهبت الكرامية للقول بأن الله يتكلم بمعنى أنه يخلق في ذاته كلاما.

ز- الاقتباس السابع: تابع ابن حجر نقل كلام ذلك الشخص الذي قال: “وذكر الفخر الرازي في المطالب العالية أن قول من قال إنه تعالى متكلم بكلام يقوم بذاته وبمشيئته واختياره هو أصح الأقوال نقلا وعقلا وأطال في تقرير ذلك والمحفوظ عن جمهور السلف ترك الخوض في ذلك والتعمق فيه والاقتصار على القول بأن القرآن كلام الله وانه غير مخلوق ثم السكوت عما وراء ذلك”. انتهى

•التعقيب السابع: والجواب على هذه الشبهة تحت الرابط التالي:

https://m.facebook.com/…/a.3806839…/1127151890696889/…

ت- الاقتباس الثامن: قال ابن حجر بعد ذلك:

الحديث الأول: “قوله وقال مسروق عن ابن مسعود إذا تكلم الله تبارك وتعالى بالوحي سمع أهل السماوات فإذا فزع عن قلوبهم وسكن الصوت عرفوا انه الحق ونادوا ماذا قال ربكم قالوا الحق”…… “قوله سمع أهل السماوات” في رواية أبي داود وغيره سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا، ولبعضهم الصفوان بدل الصفا وفي رواية الثوري الحديد بدل السلسلة وفي رواية شيبان بن عبد الرحمن عن منصور عند ابن أبي حاتم مثل صوت السلسلة وعنده من رواية عامر الشعبي عن ابن مسعود سمع من دونه صوتا كجر السلسلة ووقع في حديث النواس ابن سمعان عند ابن أبي حاتم إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماوات منه رجفة أو قال رعدة شديدة من خوف الله فإذا سمع ذلك أهل السماوات صعقوا وخروا لله سجدا وكذا وقع قوله ويخرون سجدا في رواية أبي مالك وكذا في رواية سفيان وابن نمير المشار إليها ووقع في رواية شعبة فيرون انه من أمر الساعة فيفزعون

•التعقيب: قال ابن حجر بعد ذلك:” قوله سمع أهل السماوات” في رواية أبي داود وغيره سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا، ولبعضهم الصفوان بدل الصفا وفي رواية الثوري الحديد بدل السلسلة وفي رواية شيبان بن عبد الرحمن عن منصور عند ابن أبي حاتم مثل صوت السلسلة وعنده من رواية عامر الشعبي عن ابن مسعود سمع من دونه صوتا كجر السلسلة”؛ هذه الروايات أوردها ابن حجر كبعض الأدلة التي يحتج بها من يثبت الصوت لله، من غير أن يبدي رأيه في المسألة، إنما أراد حشد تلك المرويات من دون البحث في درجة صحتها.

و تفصيلها تحت الرابط التالي:

ث-الاقتباس التاسع: قال ابن حجر في الفتح: “الحديث الثاني (قوله ويذكر عن جابر بن عبد الله عن عبد الله بن أنيس) بنون ومهملة مصغر هو الجهني كما تقدم في كتاب العلم وان الحديث الموقوف هناك طرف من هذا الحديث المرفوع وتقدم بيان الحكمة في إيراده هناك بصيغة الجزم وهنا بصيغة التمريض وساق هنا من الحديث بعضه وأخرجه بتمامه في الأدب المفرد وكذا أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني كلهم من طريق همام بن يحيى عن القاسم بن عبد الواحد المكي عن عبد الله بن محمد بن عقيل انه سمع جابر بن عبد الله يقول فذكر القصة”. انتهى

•التعقيب: ذكر ابن حجر أن البخاري أورد حديثا مختلف في بعض رواته وهو عبد الله بن محمد بن عقيل، لذلك روى حديثه البخاري بصيغة التمريض .

ح- الاقتباس العاشر: ” قال الحافظ ابن حجر في الفتح: “ونظر البخاري أدق من أن يعترض عليه بمثل هذا فإنه حيث ذكر الارتحال فقط جزم به لأنّ الإسناد حسن وقد اعتضد، وحيث ذكر طرفًا من المتن لم يجزم به لأن لفظ الصوت مما يتوقف في إطلاق نسبته إلى الرب ويحتاج إلى تأويل، فلا يكفي فيه مجيء الحديث من طريق مختلف- فيها ولو اعتضدت “. انتهى

•التعقيب: أي أن البخاري ذكر أول الحديث في كتاب العلم، بصيغة الجزم لأنه ليس- فيه ذكر الصوت، إنما فيه ذكر رحيل جابر بن عبد الله إلى عبد الله بن أُتَيْس من المدينة إلى مصر. وأما هنا فقد أورده كاملا بصيغة التمريض لورود لفظ الصوت فيه.

قال الكوثري في تعليقاته على السيف الصقيل ردا على ابن قيم الجوزية: ” إنّ كان يريد حديث جابر عن عبد الله بن أنيس “يحشر الله العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب..” الحديث، فهو حديث ضعيف علَّقه البخاري بقوله: ويُذكر عن جابر؛ دلالة على أنه ليس من شرطه. ومداره على عبد الله بن محمد بن عقيل وهو ضعيف باتفاق، وقد انفرد عنه القاسم بن عبد الواحد، وعنه قالوا إنه ممن لا يحتج به. وللحافظ أبي الحسن المقدسي جزء في تبيين وجوه الضعف في الحديث المذكور”. انتهى

خ- الاقتباس الحادي عشر: ثم قال ابن حجر عن رواية محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله : “قوله “فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب” حمله بعض الأئمة على مجاز الحذف أي يأمر من ينادي واستبعده بعض من أثبت الصوت بأن في قوله:” يسمعه من بعد” إشارة إلى أنه ليس من المخلوقات لأنه لم يعهد مثل هذا فيهم”. انتهى

•التعقيب: فابن حجر بين هنا أن قوله “فيناديهم بصوت” معناه عند بعض الأئمة: يأمر الله بعض الملائكة بالنداء و ذكر أن بعض الذين أثبتوا الصوت لله أنكروا هذا التأويل لأن في قوله “يسمعه من بعد” إشارة إلى أنه ليس من جنس كلام المخلوقات. فهنا نص واضح أن بعض القائلين بالصوت لله تعالى جازمون أن كلامه عز وجل ليس بمخلوق بخلاف القائلين بأنه بحرف و صوت فيلزم من كلامهم التعاقب و الحدوث في كلام الله إذ لا يعقل أن تكون الحروف قديمة بقدم الذات.

ذ- الاقتباس الثاني عشر: ثم قال ابن حجر : “قال – أي البخاري- فعلى هذا فصوته صفة من صفات ذاته لا تشبه صوت غيره إذ ليس يوجد شئ من صفاته من صفات المخلوقين هكذا قرره المصنف في كتاب خلق أفعال العباد”. انتهى

•التعقيب: ابن حجر لا يجزم بصحة نسبة هذا القول للبخاري و لا بصحة نسبة النسخ الرائجة للبخاري واكتفى بقول ” هَكَذَا قَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ ‌خَلْقِ ‌أَفْعَالِ العباد” أي هذا ما وُجد في النسخ الرائجة من كتاب خلق أفعال العباد المنسوبة للبخاري، ولم يقل ابن حجر مثلا هذا ما وصلنا من البخاري في كتابه خلق أفعال العباد، و إلا فقد قال ابن حجر قبل ذلك: “ونظر البخاري أدق من أن يعترض عليه بمثل هذا فإنه حيث ذكر الارتحال فقط جزم به لأنّ الإسناد حسن وقد اعتضد، وحيث ذكر طرفًا من المتن لم يجزم به لأن لفظ الصوت مما يتوقف في إطلاق نسبته إلى الرب ويحتاج إلى تأويل، فلا يكفي فيه مجيء الحديث من طريق مختلف- فيها ولو اعتضدت “. انتهى

وهذا الذي نقله ابن حجر عن الإمام البخاري لا يصح القطع بنسبته إليه لأن كتاب خلق أفعال العباد هو مسودة و ليس النسخة الأخيرة المنقحة التي كتبها الإمام البخاري.

راجع الرابط التالي:

ثم إن البخاري نقل خلاف هذا القول في عدة مواضع من صحيحه و الأئمة نقلوا عنه أيضا خلاف هذا، مما يدل أن هذا القول قاله البخاري إما تصحيحا لقول القائلين بالصوت دون الحرف في ما يتعلق بكلام الله، أو أنه كان يميل لهذا القول في كتاب خلق أفعال العباد ثم تراجع عن ذلك بعد تأليفه الصحيح و غيره.

وفي كل الحالات فإن البخاري لم يثبت في صحيحه نسبة الحرف لله تعالى.

س- الاقتباس الثالث عشر: ثم نقل الحافظ ابن حجر عن البيهقي أنه قال: “الكلام ما ينطق به المتكلم وهو مستقر في نفسه كما جاء في حديث عمر يعني في قصة السقيفة وقد تقدم سياقه في كتاب الحدود وفيه:” وكنت زورت في نفسي مقالة” وفي رواية: “هيأت في نفسي كلاما”، قال: “فسماه كلاما قبل التكلم به قال: فإن كان المتكلم ذا مخارج سمع كلامه ذا حروف وأصوات وإن كان غير ذي مخارج فهو بخلاف ذلك والباري عز وجل ليس بذي مخارج فلا يكون كلامه بحروف وأصوات، فإذا فهمه السامع تلاه بحروف وأصوات ثم ذكر حديث جابر عن عبد الله بن أنيس وقال اختلف الحفاظ في الاحتجاج بروايات ابن عقيل لسوء حفظه ولم يثبت لفظ الصوت في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم غير حديثه فإن كان ثابتا فإنه يرجع إلى غيره كما في حديث ابن مسعود يعني الذي قبله وفي حديث أبي هريرة يعني الذي بعده ان الملائكة يسمعون عند حصول الوحي صوتا، فيحتمل ان يكون الصوت للسماء أو للملك الآتي بالوحي أو لأجنحة الملائكة وإذا احتمل ذلك لم يكن نصا في المسئلة وأشار في موضع آخر ان الراوي أراد فينادي نداء فعبر عنه بقوله بصوت”. انتهى

ثم قال ابن حجر: “وهذا حاصل كلام من ينفي الصوت من الأئمة ويلزم منه ان الله لم يسمع أحدا من ملائكته ورسله كلامه بل ألهمهم إياه وحاصل الاحتجاج للنفي الرجوع إلى القياس على أصوات المخلوقين لأنها التي عهد أنها ذات مخارج ولا يخفى ما فيه إذ الصوت قد يكون من غير مخارج كما أن الرؤية قد تكون من غير اتصال أشعة كما سبق سلمنا لكن نمنع القياس، المذكور وصفات الخالق لا تقاس على صفة المخلوق وإذا ثبت ذكر الصوت بهذه الأحاديث الصحيحة وجب الايمان به ثم اما التفويض واما التأويل وبالله التوفيق”. انتهى

•التعقيب: جواب هذه الشبهة تحت الرابط التالي:

https://m.facebook.com/…/a.3806839…/1128566390555439/…

ر- الاقتباس الرابع عشر: ثم قال الحافظ ابن حجر في الفتح: “قال البيهقي: اختلف الحفاظ في الاحتجاج بروايات ابن عقيل لسوء حفظه، ولم يثبت لفظ الصوت في حديث صحيح عن النبي غير حديثه، فإن كان ثابتا فإنه يرجع إلى غيره في حديث ابن مسعود، وفي حديث أبي هريرة أن الملائكة يسمعون عند حصول الوحي صوتًا، فيحتمل أن يكون الصوت للسماء أو للملك الآتي بالوحي أو لأجنحة الملائكة، وإذا احتمل ذلك لم يكن نصًّا في المسألة، وأشار- يعني البيهقي- في موضع ءاخر إلى أن الراوي أراد فينادي نداء فعبر عنه بصوت “. انتهى.

ف- الاقتباس الخامس عشر: الحديث الثالث: ……وفي حديث ابن عباس عند ابن خزيمة وابن مردويه كمر السلسلة على الصفوان فلا ينزل على أهل السماء الا صعقوا فإذا فزع عن قلوبهم إلى آخر الآية ثم يقول يكون العام كذا فيسمعه الجن وعند ابن مردويه من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده لما نزل جبريل بالوحي فزع أهل السماء لانحطاطه وسمعوا صوت الوحي كأشد ما يكون من صوت الحديد على الصفا فيقولون يا جبريل بم أمرت الحديث…..وفي لفظ ينزل الامر إلى السماء الدنيا له وقعة كوقع السلسلة على الصخرة فيفزع له جميع أهل السماوات الحديث. فهذه الأحاديث ظاهرة جدا في أن ذلك وقع في الدنيا بخلاف قول من ذكرنا من المفسرين الذين أقدموا على الجزم بان الضمير للكفار وان ذلك يقع يوم القيامة مخالفين لما صح من الحديث النبوي من أجل خفاء معنى الغاية في قوله حتى إذا فزع عن قلوبهم.

•التعقيب: هذه الروايات تدل صراحة أن الصوت ليس كلام الله، بل هو صوت يصاحب نزول جبريل بالوحب، لما جاء في الحديث: “لما نزل جبريل بالوحي فزع أهل السماء لانحطاطه وسمعوا صوت الوحي كأشد ما يكون من صوت الحديد على الصفا” فلا يقول قائل أن جبريل نزل بكلام الله الذي هو صفة ذاته، أو أن صفته تعالى انفكت عنه.

بل أورد ابن حجر رواية أخرى و فيها أن الصوت يصاحب نزول الأمر، حيث جاء في الحديث: ” ينزل الامر إلى السماء الدنيا له وقعة كوقع السلسلة على الصخرة فيفزع له جميع أهل السماوات الحديث.

ق- الاقتباس السادس عشر: قال الحافظ ابن حجر: “الحديث الخامس حديث أبي سعيد في بعث النار ذكره مختصرا وقد مضى شرحه مستوفى في أواخر الرقاق وقوله يقول الله يا آدم في رواية التفسير يقول الله يوم القيامة يا آدم (قوله فينادي بصوت ان الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار) هذا آخر ما أورد منه من هذه الطريق أخرجه بتمامه في تفسير سورة الحج بالسند المذكور هنا”. انتهى

ثم قال: “ووقع فينادي مضبوطا للأكثر بكسر الدال وفي رواية أبي ذر بفتحها على البناء للمجهول ولا محذور في رواية الجمهور فان قرينة قوله إن الله يأمرك تدل ظاهرا على أن المنادي ملك يأمره الله بان ينادي بذلك”. انتهى

•التعقيب: فهذا الحديث رواه البخاري موصولاً مسندًا، لكنه ليس صريحًا في إثبات الصوت كصفة لله فلا حجة فيه للصوتية. وقد بين الحافظ ابن حجر أن حديث: ” فينادي بصوت ان الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار” لا محذور فيها، لأن قرينة قوله: ” إن الله يأمرك” تدل ظاهرا على أن المُنادي ملك يأمره الله بان ينادي بذلك.

قال ابن الملقن في شرحه للبخاري عند حديث “فيناديهم بصوت”: «ومعنى: “فيناديهم” يأمر ملكا ينادي، أو يخلق صوتًا يسمعه الناس، وإلا فكلامه ليس ‌بحرف ‌ولا ‌صوت. وفي رواية أبي ذر: “فينادَى” عَلَى ما لم يسم فاعله». انتهى

ونحوه قول الدماميني ـ وقاله العيني أيضا في شرحه على البخاري:«قال القاضي: والمعنى: يَجعل مَلَكاً ينادي، أو يخلق صوتاً يسمَعُه الناس، وأما كلامُ الله، فليس ‌بحرف ‌ولا ‌صوت».

ونحوه قول عبد القادر الأسطواني في «أصل الزراري شرح صحيح البخاري – مخطوط» ، ومما جاء فيه: “وقوله: (فيناديهم) المعنى: يجعل ملكًا يناديهم أو يخلق صوتًا ليسمعه الناس، وأمَّا كلام الله؛ فليس ‌بحرف ‌ولا ‌صوت”. انتهى

قال الكوثري في تعليقاته على السيف الصقيل ردا على ابن قيم الجوزية: وأما إن كان يريد حديث أبي سعيد الخدري (يقول الله يا آدم يقول لبيك وسعديك فينادي بصوت إن الله يأمرك …) الحديث، فلفظ ينادَى فيه على صيغة المفعول جزماً بدليل “إن الله يأمرك” ولو كان على صيغة الفاعل لكان إني آمرك كما لا يخفى، على أن لفظ (صوت) انفرد به حفص بن غياث وخالفه وكيع وجرير وغيرهما فلم يذكروا الصوت. وسئل أحمد عن حفص هذا فقال: كان يخلط في حديثه، كما ذكره ابن الجوزي، فأين الحجة للناظم في مثله؟

على أن الناظم نفسه خرج في حادي الأرواح –وفي هامشه إعلام الموقعين، عن الدارقطني من حديث أبي موسى “يبعث الله يوم القيامة منادياً بصوت يسمعه أولهم وآخرهم إن الله وعدهم…” الحديث، وهذا يعين أن الإسناد مجازي على تقدير ثبوت الحديثين. فظهر بذلك أن الناظم متمسك في ذلك بالسراب؛ والمؤلف – أي السبكي- تساهل في الرد عليه؛ وفي “القواصم والعواصم” لابن العربي ما يقصم ظهر الناظم”. انتهى

ط- الاقتباس السابع عشر: قال ابن حجر في الفتح ما نصه: “واستدل البخاري في كتاب خلق أفعال العباد على أن الله يتكلم كيف شاء وان أصوات العباد مؤلفة حرفا حرفا فيها التطريب بالهمز والترجيع بحديث أم سلمة ثم ساقه من طريق يعلي بن مملك بفتح الميم واللام بينهما ميم ساكنة ثم كاف انه سأل أم سلمة عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وصلاته فذكرت الحديث وفيه ونعتت قراءته فإذا قراءته حرفا حرفا وهذا أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما”. انتهى

•التعقيب

والجواب على هذه الشبهة تحت الرابط التالي:

https://m.facebook.com/…/a.3806839…/1127177564027655/…

ويدل على ما تقدم قول ابن حجر في ٱخر هذا الباب: “والذي يظهر ان غرضه -أي البخاري- ان كلام الله لا يختص بالقرآن فإنه ليس نوعا واحدا كما تقدم نقله عمن قاله وانه وإن كان غير مخلوق وهو صفة قائمة به فإنه يلقيه على من يشاء من عباده بحسب حاجتهم في الأحكام الشرعية وغيرها من مصالحهم وأحاديث الباب كالمصرحة بهذا المراد”. انتهى

ثم ان ابن بطال ذكر -كما نقل عنه الحافظ ابن حجر في أول هذا الباب- أن البخاري يعتقد أن كلام الله قديم لذاته قائم بصفاته لم يزل موجودا به ولا يزال كلامه لا يشبه المخلوقين.

ظ- الاقتباس الثامن عشر: قال الحافظ ابن حجر بعد ذلك: ” وأثبتت الحنابلة ان الله متكلم بحرف وصوت اما الحروف فللتصريح بها في ظاهر القرآن. واما الصوت فمن منع قال إن الصوت هو الهواء المنقطع المسموع من الحنجرة وأجاب من أثبته بأن الصوت الموصوف بذلك هو المعهود من الآدميين كالسمع والبصر وصفات الرب بخلاف ذلك فلا يلزم المحذور المذكور مع اعتقاد التنزيه وعدم التشبيه وانه يجوز ان يكون من غير الحنجرة فلا يلزم التشبيه. وقد قال عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب السنة سألت أبي عن قوم يقولون لما كلم الله موسى لم يتكلم بصوت فقال لي أبي بل تكلم بصوت هذه الأحاديث تروى كما جاءت وذكر حديث ابن مسعود وغيره”. انتهى

•التعقيب: قوله: “وأثبتت الحنابلة ان الله متكلم بحرف وصوت اما الحروف فللتصريح بها في ظاهر القرآن”. هذا قول مجسمة الحنابلة منهم، وليس المنزهين منهم، والا فالقرٱن لا يصرح بالقول بأن الله يتكلم بحرف، وانما أخذوا بظاهر الٱيات ولم يحاولوا التوفيق بينها وبين الٱيات المحكمات وفق معاني اللغة العربية، فجعلوا كلام الله مركبا من حرف وصوت.

وأما قوله:”واما الصوت فمن منع قال: إن الصوت هو الهواء المنقطع المسموع من الحنجرة” فهذا كلام المنزهة نقله ابن حجر.

وأما قوله: ” وأجاب من أثبته بأن الصوت الموصوف بذلك هو المعهود من الآدميين كالسمع والبصر وصفات الرب بخلاف ذلك فلا يلزم المحذور المذكور مع اعتقاد التنزيه وعدم التشبيه وانه يجوز ان يكون من غير الحنجرة فلا يلزم التشبيه”. انتهى

فهذا ليس كلام ابن حجر أيضا بل هو كلام من أثبت الصوت لله بدليل قوله: “وأجاب من أثبته”، وهو اعتراض فاسد فالسمع و البصر مثل الكلام أيضا، هي صفات واجبة لله تعالى قائمة بذاته و لا تنفك عنه، فلا يوصف الله بنقيضها. وأما الصوت فليس من الصفات الواجبة لله، ويلزم من اثباته اثبات الكيف، وهو كفر.

لكن قال بعض العلماء أن الشخص لو قال أن كلام الله صوت أزلي أبدي ليس فيه تعاقب الحروف فلا يُكَفَّر إن كان نيته كما قال. فليس هذا تجسيما. أما من جعله صوتا بحرف فهو كفر، ولا معنى لقوله أن تعاقب الحروف أزلي، او أن الله يتكلم بالحروف مع اعتقاد التنزيه، فهذا تناقض في الكلام.

قال أبو الحسن ابن القطان الفاسي في الاقناع: «أجمعوا على أن كلام الله عز وجل ‌ليس ‌بحروف ‌ولا ‌أصوات، وأنه يقرأ بالحروف، ويسمع بالعبارات على أنه شيء قرئ بهذه العبارة المخصوصة على لغة مخصوصة، وقع الفهم به للسامع، فقيل له: عربي، ومنزل على لغة العرب». انتهى

وأما قوله: “وقد قال عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب السنة سألت أبي عن قوم يقولون لما كلم الله موسى لم يتكلم بصوت فقال لي أبي بل تكلم بصوت هذه الأحاديث تروى كما جاءت وذكر حديث ابن مسعود وغيره”. انتهى

فهو أيضا ليس كلام ابن حجر، بل هو تمام كلام من أثبت الصوت لله وهو صاحب الجواب الذي قال عنه ابن حجر : ” وأجاب من أثبته بأن الصوت الموصوف بذلك هو المعهود من الآدميين كالسمع والبصر وصفات الرب بخلاف ذلك فلا يلزم المحذور المذكور مع اعتقاد التنزيه وعدم التشبيه وانه يجوز ان يكون من غير الحنجرة فلا يلزم التشبيه. وقد قال عبد الله بن أحمد بن حنبل….”

وهذا الأثر مذكور في النسخ الرائجة لكتاب السنة المنسوب لعبد الله بن الإمام أحمد، و جواب هذه الشبهة تحت الرابط التالي:

https://m.facebook.com/…/a.3806839…/1367369550008454/…

ض-الاقتباس التاسع عشر: قال ابن حجر في الفتح:” في ٱخر هذا الباب: ” قال ابن بطال: أراد – أي البخاري- بهذه الترجمة وأحاديثها ما أراد في الأبواب قبلها ان كلام الله تعالى صفة قائمة به وانه لم يزل متكلما ولا يزال ثم أخذ في ذكر سبب نزول الآية والذي يظهر ان غرضه ان كلام الله لا يختص بالقرآن فإنه ليس نوعا واحدا كما تقدم نقله عمن قاله، وانه وإن كان غير مخلوق وهو صفة قائمة به فإنه يلقيه على من يشاء من عباده بحسب حاجتهم في الأحكام الشرعية وغيرها من مصالحهم وأحاديث الباب كالمصرحة بهذا المراد”. انتهى

•التعقيب: فهنا بيّن ابن حجر ، نقلا عن ابن بطال أن البخاري يعتقد أن كلام الله تعالى صفة قائمة به، وأنه يلقيه على من يشاء من عباده ورسله”. وهو معنى كلام البخاري “يتكلم كما شاء”، لا أن الله إذا شاء تكلم وان شاء لم يتكلم كما هو مذهب الحشوية، فجعلوا صفة الكلام تابعة لصفة المشيئة وقالوا بقيام الحوادث في ذات الله.

بيان ما نقله ابن حجر عن الفخر الرازي أنه قال ان القول بأن الله يتكلم بكلام يقوم بمشيئته هو أصح الأقوال

ينقل بعض المجسمة عن الحافظ ابن حجر أنه قال في الفتح: ” وذكر الفخر الرازي في المطالب العالية أن قول من قال : إنه تعالى متكلم بكلام يقوم بذاته وبمشيئته واختياره هو أصح الأقوال نقلا وعقلا ، وأطال في تقرير ذلك “. انتهى

والرد على هذه الشبهة أن يقال: هذا الكلام نقله ابن حجر عن شخص مجهول لم يذكر اسمه. فبعد أن نقل كلام ابن حزم في الملل و النحل قال الحافظ: ” وقال غيره” ثم ساق كلامه و فيه: وذكر الفخر الرازي في المطالب العالية… “.

وفي ما يلي نص عبارة الحافظ ابن حجر في فتح الباري 13/455 حيث قال بعد أن ساق كلام ابن حزم: ” وقال غيره : “اختلفوا فقالت الجهمية والمعتزلة وبعض الزيدية والإمامية وبعض الخوارج : كلام الله مخلوق خلقه بمشيئته وقدرته في بعض الأجسام كالشجرة حين كلم موسى ، وحقيقته قولهم : إن الله لا يتكلم وإن نسب إليه ذلك فبطريق المجاز ، وقالت المعتزلة يتكلم حقيقة لكن يخلق ذلك الكلام في غيره وقالت الكلابية : الكلام صفة واحدة قديمة العين لازمة لذات الله كالحياة ، وأنه لا يتكلم بمشيئته وقدرته وتكليمه لمن كلمه إنما هو خلق إدراك له يسمع به الكلام ونداؤه لموسى لم يزل لكنه أسمعه ذلك النداء حين ناجاه ويحكى عن أبي منصور الماتريدي من الحنفية نحوه لكن قال : خلق صوتا حين ناداه فأسمعه كلامه ، وزعم بعضهم أن هذا هو مراد السلف الذين قالوا : إن القرآن ليس بمخلوق ، وأخذ بقول ابن كلاب القابسي والأشعري وأتباعهما وقالوا : إذا كان الكلام قديما لعينه لازما لذات الرب وثبت أنه ليس بمخلوق فالحروف ليست قديمة ؛ لأنها متعاقبة ، وما كان مسبوقا بغيره لم يكن قديما ، والكلام القديم معنى قائم بالذات لا يتعدد ولا يتجزأ بل هو معنى واحد إن عبر عنه بالعربية فهو قرآن أو بالعبرانية فهو توراة مثلا وذهب بعض الحنابلة وغيرهم إلى أن القرآن العربي كلام الله وكذا التوراة ، وأن الله لم يزل متكلما إذا شاء وأنه تكلم بحروف القرآن وأسمع من شاء من الملائكة والأنبياء صوته ، وقالوا : إن هذه الحروف والأصوات قديمة العين لازمة الذات ليست متعاقبة بل لم تزل قائمة بذاته مقترنة لا تسبق والتعاقب إنما يكون في حق المخلوق بخلاف الخالق ، وذهب أكثر هؤلاء إلى أن الأصوات والحروف هي المسموعة من القارئين ، وأبى ذلك كثير منهم فقالوا ليست هي المسموعة من القارئين ، وذهب بعضهم إلى أنه متكلم بالقرآن العربي بمشيئته وقدرته بالحروف والأصوات القائمة بذاته وهو غير مخلوق لكنه في الأزل لم يتكلم لامتناع وجود الحادث في الأزل ، فكلامه حادث في ذاته لا محدث ، وذهب الكرامية إلى أنه حادث في ذاته ومحدث ، وذكر الفخر الرازي في المطالب العالية أن قول من قال : إنه تعالى متكلم بكلام يقوم بذاته وبمشيئته واختياره هو أصح الأقوال نقلا وعقلا ، وأطال في تقرير ذلك “. انتهى
فحتى قوله: ” وأطال في تقرير ذلك” هذا ليس من كلام ابن حجر، فهذا الغير هو الذي نقل الحافظ عنه الكلام المنسوب للإمام الرازي وهو الذي حرف كلام الفخر الرازي لأنه لا وجود له في كتاب المطالب العالية , لا في مباحث الكلام و لا في غيره من المباحث. بل الموجود عكسه فقد خصص الفخر الرازي في الجزء 2 صحيفة 106 فصلا مخصوص بعنوان “الفصل الخامس عشر : في بيان أن يمتنع كونه تعالى محلاً لغيره”. ومن قال خلاف ذلك فليأت به من كتاب المطالب.
وقد رد الحافظ ابن حجر هذا القول وقال:” والمحفوظ عن جمهور السلف ترك الخوض في ذلك والتعمق فيه ، والاقتصار على القول بأن القرآن كلام الله وأنه غير مخلوق ثم السكوت عما وراء ذلك ” انتهى

فهذا كلام الحافظ رحمه الله وليس فيه إقرار بالكلام المنسوب للرازي الذي نقله ذلك الشخص المجهول متصرفا فيه. ونقل ذلك الشخص المجهول عن الفخر الرازي غير دقيق لأنه أراد أن يثبت هذه الأشياء عليه ويظهره أنه يتبنى القول من قبله و الصحيح أن الفخر ينقل الأقوال من غير تقرير. ولا يبعد أن يكون ذلك الشخض الذي لم يذكر الحافظ اسمه هو ابن تيمية لأنه يشبه أسلوبه في سبك العبارات و ولأنه سبق أن نسب إلى الفخر الرازي مقالات لا تثبت عنه.
كما ينبغي الإشارةهنا إلى طريقة الفخر الرازي في “المطالب العالية” التي تخالف طريقته في سائر كتبه فإنه حاول عرض و سبر الأقوال والمذاهب بحياد وتجرد ودون ترجيح لأي منها في كثير من الأحيان. فسعى في هذا الكتاب إلى البحث والجمع والكشف أكثر مما هدف إلى إثبات عقيدة أهل السنة أو نصرتها.

كما ينبغي التنبيه أيضا أن الإمام قد ينقل وجها او حجة للفلاسفة أو المعتزلة بلسان أحدهم وحكايته له مع إيراد ما ذكروه في دفع حجج خصومهم من اهل السنة وإبطالها فيستغرق ذلك عشرة صفحات ويختلط الكلام في أثناءها فيظنه البعض كلامه وهو ليس كلامه ، فيجب التنبه جيدا عند قراءته حتى يعرف المعنى ويعرف إلى من ينسب الكلام. ومن أجل هذا انتقده بعض أهل العلم بأنه يورد الإشكالات ناجزة ويحلها نسيئة حتى ليخيل للقارئ أنه يقول بهذه النقول ، وليس كذلك ، لأنه قد نبه أكثر من مرة في المطالب إلى الرجوع إلى بعض كتبه كالمحصل وأصول الدين لمعرفة تفصيل المسألة لدى أهل السنة. فمذهبه في العقيدة كمتكلم أشعري سني قد سطره رحمه الله في عدة كتب أخرى كالأربعين والمعالم والمحصل و في ثنايا تفسيره للقرآن الكريم.

فكرتان اثنتان على ”كلام الحافظ ابن حجر حول نسبة الصوت لله

التعليقات مغلقة.