مخالفة الوهابية والتيمية للسلف في مسألة قيام الحوادث بذات الله

مخالفة الوهابية والتيمية للسلف في مسألة قيام الحوادث بذات الله

لقد خالف أتباع الوهابية ومن تبعهم من التيمية عقيدة السلف الصالح في مسألة قيام الحوادث بذات الله، فادعوا أن الله تقوم به أفعال محدثة لا أول لها، مما يلزم منه التغيّر والانتقال من حال إلى حال، وهو ما نفاه أئمة السلف بوضوح في نصوصهم.

1. الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون (ت 164 هـجري)، قال في عقيدته التي رواها أبو الشيخ بإسناد صحيح في كتاب «العظمة»: «ولم يتغير عن حال إلى حال، بزيادة ولا نقصان، لأنه لم يبق من الملك والعظمة شيء إلا وهو فيه، ولن يزيد أبدًا عن شيء كان عليه». انتهى.

2. الإمام أبو ثور البغدادي (ت 240 هـجري)، قال مبينًا بطلان القول بخلق كلام الله: «ومن قال: «كلام الله مخلوق» فقد كفر، وزعم أن الله عز وجل حَدَثَ فيه شيء لم يكن». انتهى.

(نقله اللالكائي)

3. الإمام عبد العزيز بن يحيى الكناني (ت 240 هـجري)، قال في كتاب «الحيدة» المنسوب إليه، عند مناظرة المريسي: «فقلتُ له: ما صح يلزمك في هذا القول وهو واحدة من ثلاث، لا بد منها: أن تقول إن الله خلق كلامه في نفسه، أو خلقه في غيره، أو خلقه قائمًا بذاته».انتهـى

ثم شرع الكناني في إبطال هذه الأقسام، فقال في ردّ القسم الأول:

«فإن قال: إن الله خلق كلامه في نفسه، فهذا مُحال لا يجد السبيل إلى القول به من قياس ولا نظر معقول؛ لأن الله عز وجل لا يكون مكانًا للحوادث، ولا يكون فيه شيء مخلوق، ولا يكون ناقصًا فيزيد فيه شيء مخلوق، ولا يكون ناقصًا فيزيد فيه شيء إذا خلقه، تعالى الله عن ذلك وجل وتعاظم».اهـ

و أما القسم الثاني من الأقسام السابقة فقد أبطله الكناني بقوله:

«وإن قال: خلقه في غيره، فيلزمه في النظر والقياس أن كل كلام خلقه الله في غيره هو كلام الله، لا يقدر أن يفرق بينهما، فيجعل الشعر كلامًا لله تعالى، ويجعل قول الكفر والفحش وكل قول ذمه الله وذم قائله كلامًا لله عز وجل، وهذا محال لا يجد السبيل إليه، ولا إلى القول به، لظهور الشناعة والفضيحة على قائله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرًا».انتهـى

وهكذا ألزم الكنانيُ المريسيَّ بإلزام لا انفكاك له منه، فإنْ كان كلام الله تعالى الذي هو صفته حادثًا في غيره، فليقل المريسي إن كلّ كلام حادث في غير الله تعالى هو صفة لله سبحانه، وهذا اللازم باطل اتفاقًا.

أما كون الكلام ذاتًا قائمة بنفسها لا صفة قائمة بذات المتكلم، فبطلانه ضروري، ولذلك اكتفى الكناني في إبطاله بقوله:

«وإن قال: خلقه قائمًا بنفسه وذاته، وهذا هو المحال الباطل الذي لا يجد إلى القول به سبيلًا في قياس ولا نظر ولا معقول؛ لأنه لا يكون الكلام إلا من متكلم، كما لا تكون الإرادة إلا من مُريد، ولا العلم إلا من عالم، ولا القدرة إلا من قادر، ولا رئي ولا يرى كلام قط قائم بنفسه يتكلم بذاته، وهذا ما لا يعقل ولا يعرف، ولا يثبت في نظر ولا قياس ولا غير ذلك».انتهـى

وهذا يعني أنّ بطلان قيام الكلام بنفسه أمر ضروري، فإن الكلام والعلم والإرادة والقدرة صفات تقوم بمتكلم وعالم ومريد وقدير، ولا تقوم بأنفسها، وهذا غني عن الاستدلال.

4. الإمام أبو جعفر الطحاوي (ت 321 هـ)، قال في «بيان أهل السنة والجماعة»:: «مَا زَالَ بِصِفَاتِهِ قَدِيماً قَبْلَ خَلْقِهِ، لَمْ يَزْدَدْ بِكَوْنِهِمْ شَيْئاً لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُمْ مِنْ صِفَتِهِ. وَكَمَا كَانَ بِصِفَاتِهِ أَزَلِيًّا، كَذَلِكَ لا يَزَالُ عَلَيْهَا أَبَدِيًّا». انتهى.

5. الإمام أبو إسحاق الزجاج (ت 311 هـ)، قال في «معاني القرآن وإعرابه»: «(قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ): أي لا أحب من كانت حالته أن يطلع وَيسِير على هيئةٍ يُتبين معها أنه محدَثٌ منتقل من مكان إلى مكان». انتهى.

6. الإمام محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ)، قال في «جامع البيان»: «القيُّومُ: الذي لا زوال معه ولا انتقال، وإنَّ الله تعالى إنما نفى عن نفسه ـ بوصفها بذلك ـ التغيُّرَ والتنقل من مكان إلى مكان…». انتهى.

وقال أيضًا في تاريخه: «ما لم يخل من الحَدَث لا شك أنه مُحدَث». انتهى.

7. الإمام ابن حبان البستي (ت 354 هـ)، قال في «صحيحه» تعليقًا على حديث: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾: «ذكر الأخبار بأن أسباب هذه الفانية الزائلة يجري عليها التغير والانتقال في الحال بعد الحال». ثم روى الحديث الذي يبين أن هذه من صفات المخلوق.

وعند حديث النزول قال: «كذلك ينزل بلا آلة، ولا تحرك، ولا انتقال من مكان إلى مكان». انتهى.

وهذا تصريح بنفي الحركة والانتقال، وكل ما يدل على حلول الحوادث بذات الله.

فيتلخص مما تقدم أن أقوال السلف الصريحـة على نفي التغير والانتقال والحدوث في ذات الله تعالى، واعتبروا أن القول بذلك يؤدي إلى الكفر أو المحال العقلي، بينما خالف ابن تيمية هذا الأصل، وأثبت حوادث لا أول لها في ذات الله، محاولًا تبريرها باعتبارها “كمالًا”، في رسالته المعروفة بـ«رسالة الكمال والأكملية»، وهي من أخطر الانحرافات العقائدية التي تفصل بين منهج السلف وما ابتدعته الوهابية، ومن لم يفهم الأصول تخدعه الألفاظ.

فكرة واحدة على ”مخالفة الوهابية والتيمية للسلف في مسألة قيام الحوادث بذات الله

التعليقات مغلقة.